ثقافة و فن

وسام علي الخالدي: تقرأ القصيدة الأولى من ديوان “ضريح آنا أخماتوفا”

   هذا المقطع الشعري غاية في الرهافة الإنسانية والعمق الرمزي، وهو نصٌّ يلامس الجرح الإنساني في أكثر تجلّياته قسوةً ووجعًا، من خلال تصويره لمأساة الطفل السوري الكردي الغارق — في مشهدٍ صارخٍ يلخص مأساة شعب بأكمله.
النص يبدأ بجملة تتسم بالهدوء والتأمل:
“لم أكن سمعتُ اسمه بوضوح حين ذكرته الأخبار. والآن، عرفته.”
هذه الجملة تنقل القارئ من عمومية النبأ إلى خصوصية الألم، من اللاهوية إلى التعرف المؤلم على وجه الفقد. الاسم الذي لم يكن واضحًا، صار أوضح من كل شيء حين احتضنته الرمال ولفّه الليل.
ثم يأتي المشهد الشعري الساحر — والمفجع في آنٍ واحد — حيث يقول:
“حين ألقى به البحر، تلك الليلة صغيرًا، بريئا، فارغا من العالم، بَقيَ هناك، على الرمل، وحيدًا في الليل…”
هنا يتجسد البحر لا كرمز للحياة، بل كهاوية تلفظ الموتى، والليل ليس غطاءً للسكينة، بل رداءٌ من وحشةٍ وصمت. والأكثر شاعرية هو التشبيه:
“كما لو كان يتدثّر بالصمت ليواسي جثته الصغيرة.”
صورة موجعة ترسم الصمت لا كفراغ، بل كحضور مؤلم، يحاول أن يحنو على جثمان طفل.
ثم تتصاعد الصور الشعرية في تشخيص البحر والكائنات:
“رَحّبت به الطحالب وأعشاب البحر، ونسيت النجوم أن تُضيء وجهه…”
في هذه الصورة، يتواطأ الكون في سكوت مهيب. حتى النجوم — رموز الأمل والضوء — تخون لحظةَ الموت، فتغدو السماء معتمةً كالمصير.
ثم يطرح الشاعر حسن نجمي سؤاله الأخير، المدوّي في صمته:
“ولم يكن يعرف — هل نسيه الله أم أراده؟”ثيلب
هنا يكمن جوهر النص: سؤال فلسفي عميق عن القدر، عن المعنى، عن الغياب الإلهي في لحظة الموت، وعن التخلّي الذي يشعر به الإنسان أمامه.
النص الذي أعتمد على اللغة الشفيفة المشبعة بالصور الحسية والرمزية، ويحقق توازنًا بين جمال التعبير وقسوة المضمون.
هناك توظيف بارع للصمت والليل والبحر كرموز للغموض، الموت، العزلة، والخذلان.
ينتمي النص إلى أدب المأساة الإنسانية، بأسلوبٍ تأمليٍّ حزين، يفتح الأسئلة الوجودية دون محاولة تقديم إجابات، ما يمنحه قوةً فلسفية وشاعرية.
نصّ بهذه الكثافة لا يُقرأ، بل يُشعر به، ويُسكب في الوجدان كمرثية خرساء لطفولةٍ لم تعرف سوى الغرق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى