وجهة نظر

الفساد في الجامعة المغربية وأزمة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب بقلم الأستاذ: حسن تزوضى

تفجّرت في السنوات الأخيرة فضائح خطيرة داخل عدد من الجامعات المغربية،لعل أبرزها ماعرف إعلاميًا بـ “بيع شواهد الماستر ” ، و هي ممارسات تضع اليد على واقع خطير يتمثل في اختراق المؤسسة الجامعية من قبل شبكات الفساد و المحسوبية. هذه الفضيحة و إن كانت صادمة ، فإنها ليست معزولة عن سياق عام أوسع،يتمثل في تدهور شامل للوضع الأخلاقي والسياسي داخل المجتمع والدولة، وهو ما انعكس على الجامعة ،حيث تراجع دورها التاريخي الذي كانت تلعبه باعتبارها فضاء  للتكوين المعرفي ، والحوار الديمقراطي ، وإنتاجالنخب السياسية و النقابية.

لقد كانت الجامعة المغربية منذ عقود ، إحدى القلاع التي تُصاغ فيها ملامح الوعي الجماعي ، ويُنتج فيها الفكر النقدي ، وتنبثق منها أجيال من القادة و المثقفين الذين لعبوا أدوارًا محورية في الحياة العامة ، غير أن هذا الدور بدأ في التآكل بفعل جملة من التحولات،أهمهااختراق آليات السوق لمنطق التكوين ، و هيمنة النزعة التقنية و البراغماتية على حساب تكوين الإنسان،بالإضافة إلى تراجع الفعل الطلابي المنظم ، وخاصة الدور التاريخي الذي كان يلعبه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.

إن الفساد الذي بدأ ينهش جسد الجامعة ليس مجرد انحراف فردي لبعض المسؤولين أو الأساتذة ، بل هو    تعبير عن دينامية اجتماعية أعمق ، تتقاطع فيها مظاهر الأزمة البنيوية التي يعرفها التعليم العالي ، مع تحولات سياسية و نقابية تمهد لتفريغ الجامعة من مضمونها. فحين تتحول الشهادات الجامعية إلى “منتوج” يُباع في السر ،وتُمنح على أساس الزبونيةو المحسوبية ، يصبح من المشروع طرح السؤال حول الجدوى من التكوين الجامعي ، و حول طبيعة النخب التي تُفرز ها هذه المنظومة.

الواقع أن ما يشهده الحقل الجامعي من مظاهر فساد لايمكن فصله عن الانهيار الذي عرفته النقابةالطلابية،”الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ” فلقدكان هذا التنظيم ، في فترات سابقة ، بمثابة ضمير حي للجامعة،يعبّرعن تطلعات الطلبة،ويخوض معاركهم المطلبية و الثقافية ، ويشكل مدرسة في النقاش السياسي و الفكر،. غير أن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب دخل في دوامة من التفكك منذ تسعينيات القرن الماضي ، بفعل المنع السياسي من جهة،و الصراعات الإيديولوجية من جهة أخرى ، مما أدى إلى غيابه عن الساحة الجامعية ، وترك فراغًا رهيبًا ملأته أشكال من الانتهازية و الفساد،

ففي ظل غياب التأطير النقابي الجاد ، وتراجع الوعي الجماعي لدى الطلبة ، تراجعت مقاومة الفساد داخل الجامعة ، بل وأصبح هذا الفساد في أحيان كثيرة أمرًا مألوفًا ومُسلّمًابه ، فالطلبة الذين يُفترض  أن يكونوا حاملي مشروع التغيير أصبحوا ضحاي الآليات الترويض و التفتيت ، إما من خلال الضغط الاجتماعي والاقتصادي الذي يدفعهم للبحث عن “طرق مختصرة” للحصول على الشواهد ، أو من خلال سيادة ثقافة فردانية تُقصي كل تفكير في العمل الجماعي و التنظيمي .

يتقاطع هذا الوضع مع الجو السياسي العام الذي لايشجع على بناء حركة طلابية مستقلة و واعية، كما لا يضمن شروط الحرية داخل الجامعة. فالحقل الجامعي اليوم يعيش في كثير من الأحيان حالة من الرقابة الصامتة ، يتم فيها الحد من المبادرات النقدية ، و مراقبة الأنشطة الطلابية ، و الضغط على أي محاولة لتنظيم مستقل. هذا ماساهم في تآكل الدور السياسي والثقافي للجامعة ، التي تحولت تدريجيًا إلى مجرد مؤسسة إدارية لتوزيع الشواهد ، بدل أن تكون فضاء لتكوين الإنسان و المواطن.

أما النخب التي تُنتجها الجامعة في ظل هذا المناخ ، فهي غالبًا نخب ضعيفة التكوين ، محدودة الأفق،وغارقةفي منطق الانتهازية الوصولية، فمع اختلال معاييرالاستحقاق،لم تعد الجامعة قادرة على لعب دورها التقليدي كرافعة للتحديث السياسي والاجتماعي ، بل أصبحت تعيد إنتاج نفس البنيات السلطوية،فيثو بجديد. و هكذا يتجلى التناقض الصارخ: فمن جهةيُطلب من الجامعةتكوين قادة الغد ،و من جهةأخرى تُداس مبادئ الكفاءة و النزاهة في أبسط حلقات التكوين.

إن استعادة وظيفة الجامعة كمؤسسة للتكوين النقدي ولإنتاج النخب لايمكن أن يتم دون محاربة جذرية لمظاهر الفساد داخلها ، وربط المسؤولية بالمحاسبة ، كمالايمكن أن يتحقق دون إحياء فعل طلابي جماعي ، مستقل و ديمقراطي. و لا بد من إعادة بناء العمل النقابي على أسس جديدة ، تُعيد الثقة للطالب في إمكانية التغيير من داخل الجامعة ، وتربطه بقضايا المجتمع الكبرى ، بعيدًا عن منطق الولاءات الضيقة و الانتهازية السياسية.

كما أن أي إصلاح للجامعة لايمكن أن يكون تقنيًا فقط،بل يجب أن يكون مشروعًا مجتمعيًا شاملًا ، يربط التكوين بالحرية ، و يجعل من الجامعة ليس فقط فضاءً للمعرفة ، بل أيضًا مدرسة للمواطنة و الديمقراطية. فبدون جامعة حرة و نزيهة ، لايمكن الحديث عن مستقبل أفضل ، ولاعن نخبة قادرة على حمل مشروع وطني يُقاوم الرداءة و يُكرّس قيم العدالةوالكفاءة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى