في إطار أنشطتها الفكرية والعلمية، وسعيا لمساءلة الامتدادات الثقافية والحضارية والفنية والأدبية بين عدوتي المغرب والأندلس، نظمت المنظمة الدولية لحماية التراث بشراكة مع المركز الدولي للدراسات التراثية، ندوة علمية دولية في موضوع:”المغرب والأندلس والتفاعل الثقافي”
بتاريخ 22 ماي 2025، برحاب فضاء “دار القايد” المعلمة التراثية الموجودة داخل سور المدينة القديمة بمدينة الدار البيضاء، وذلك بمشاركة ثلة من الأساتذة الباحثين والأكاديميين من المغرب ومن أقطار عربية ودولية.
وقد انطلق هذا الحدث العلمي والثقافي على الساعة التاسعة صباحا، بجولة للمشاركات والمشاركين في الندوة داخل مجموعة من معالم المدينة القديمة داخل السور، مدتها ساعة ونصف.
وقد توزعت فعاليات الندوة الدولية التي بدأت مجرياتها على الساعة العاشرة والنصف، على جلستين علميتين.
ترأس الجلسة الأولى الأستاذ الدكتور محمد السيدي مدير المركز الدولي للدراسات التراثية، استهلها بكلمة ترحيبية بالحضور مذكرا بموضوع الندوة، ليمرر بعد ذلك الكلمة الافتتاحية في موضوع الندوة للأستاذة الكرسي ومديرة سلك الدكتوراه والدراسات العليا بجامعة لالغونا الإسبانية الدكتورة مارابيلاس أغييار أغيلار، وهي المداخلة الموسومة ب:
« A la croisée des manuscrits : le Maroc , L’Espagne et les chemins de l’interaction culturelle »
تناولت فيها الدكتورة أهمية المخطوطات وأدوارها في إبراز أوجه التفاعل الثقافي بين إسبانيا والمغرب، كما دعت إلى ضرورة التفكير في إحداث دليل catalogue يبرز مختلف التقاطعات بين المغرب والأندلس.
أما المداخلة الثانية فكانت تحت عنوان “الوحدة بين المغرب والأندلس على الصعيد السياسي والثقافي والمذهبي.” قدمتها الأستاذة الدكتورة فاطمة طحطاح، تحدثت فيها عن بعض مظاهر الوحدة بين المغرب والأندلس، معتبرة أن التفاعل بين الثقافات ضرورة.
ليتم الانتقال لمداخلة الأستاذ الدكتور محمد أديوان وسمها ب “الأندلس قصة حضارة تتجدد في منطق التاريخ”، قارب فيها بعض المحطات التاريخية من تاريخ بلاد الأندلس، مستحضرا بعض أسس الوحدة بين الحضارتين، ومدللا على توحد الخيارات العلمية والفكرية بينهما.
ثم بعده ورقة بعنوان “مظاهر التفاعل والتواصل الثقافي بين المغرب والأندلس” ألقتها الأستاذة الدكتورة نعيمة مني، تناولت فيها بعضا من مظاهر وتجليات التلاقح الثقافي بين العدوتين.
أما ورقة “المثاقفة بين الأندلس والمغرب” فتفضل بعرضها الأستاذ الدكتور محمد الصغيري، وفتح فيها موضوع العلاقات الثقافية بين العدوتين التي أسفرت عن تأثير متبادل بينهما متعدد الأوجه، ويمس مجموعة من الجوانب، منها المجال العلمي والفكري بالإضافة إلى جانب الفنون والمعمار والتراث الأدبي…
وفي مداخلة بعنوان “الشعرية العربية بين الأندلس والمغرب” قارن الأستاذ الدكتور محمد جودات بين الشعر في المغرب(الملحون) والأندلس(الموشح)، معتبرا أن الشعرية العربية في كل من المغرب والأندلس تتميز بثرائها، وذلك نتيجة تأثر المنطقة بالثقافات الأخرى، مما انعكس في أساليب الشعر وأغراضه.
لتختتم الجلسة الأولى بكلمة للدكتور إسماعيل حامد إسماعيل، عميد جامعة منيسوتا الأمريكية عنونها ب “مآذن المغرب والأندلس ورمزيتها الثقافية المشتركة في العصر الوسيط”، وهي المداخلة التي حاول من خلالها إبراز جانب مهم من أوجه التفاعل الثقافي بين العدوتين وهو الجانب العمراني متمثلا في المآذن وما تحمله من رمزية تاريخية وثقافية في عصور الازدهار.
ثم بعده أخذ الكلمة مسير الجلسة الدكتور محمد السيدي نوّه فيها بالمداخلات العلمية القيّمة، مذكرا بحمولتها المعرفية والفكرية وبـأبعادها الأكاديمية، ليتم فتح باب الماقشة أمام الحضور.
وانتقل الحضور عقب كلمة رئيس الجلسة الأولى والمناقشة، لحفل شاي تخللته وصلات موسيقية أندلسية من تقديم أساتذة مختصين في مجال الموسيقى الأندلسية، ويتعلق الأمر بالاستاذ عمر الإدريسي والاستاذ محمد الأطرش.
وأعقبتها ثاني جلسة علمية، ومسيّر أشغالها الأستاذ الدكتور محمد التاقي، استهلها بمداخلة للأستاذ الدكتور نور الدين الدنياجي حاملة لعنوان “التواصل الفكري والعلمي بين الأندلس والمغرب” وهي المداخلة التي وقفت على العلاقات الثقافية المزدهرة بين المغرب والأندلس خلال القرن السادس الهجري، والتي تجلت في شتى المجالات وعلى رأسها المجالات العلمية والفنية والأدبية، معربا على أن هذا التقارب أنتج اندماجا حضاريا وثقافيا بين هذين القطرين.
أما المداخلة الموالية الموسومة ب “الدراسات اللغوية بين المغرب والأندلس” فجاءت بلسان مسير الجلسة العلمية الثانية الدكتور محمد التاقي، أشّر فيها على المساهمة القيمة للأندلس والمغرب في مجال اللغة وبالضبط مجال علم النحو خلال مرحلة العصر الوسيط.
ثم مرر الكلمة للدكتورة الأستاذة فتيحة بلعباس التي انفتحت على موضوع “السرد والأنساق الثقافية بين المغرب والأندلس”، وهو الموضوع الذي أشر على أهم أثر للعلاقات الثقافية بين المغرب والأندلس، وهو التبادل الثقافي الذي أثر على التطور الحضاري في البلدين وشكل هويتهما الثقافية، مستحضرة أدوار السرد في تعزيز هذا التلاقح الثقافي.
ليتناول الكلمة بعد ذلك الأستاذ الدكتور بوبكر المنور في موضوع “أثر الأندلس في الثقافة المغربية، المعارضات الشعرية نموذجا”، معتبرا أن المعارضات الشعرية تشكل شكلًا من أشكال التأثر والتأثير بين الشعراء، وموضحا ذلك بكون الشاعر المغربي كان يعبر عن تأثيره بالشعر الأندلسي من خلال اقتباس أفكار وعبارات وبعض الأغراض، مسترسلا بأن تأثير الأندلس على المغرب شمل أيضا اللغة، التي كانت لغة عربية فصحى، وهي لغة الشعر الأندلسي.
وفي حقل الموسيقى الأندلسية، كان لأستاذ الموسيقى بالمعهد الموسيقي بالدار البيضاء، والباحث في التراث الموسيقي السيد مصطفى أحريش عرض بوسم “الموسيقى الأندلسية المغربية وأزمة الحداثة”، تحدث فيه عن تجربته في هذا المجال الغني، وعن خصوصيات الموسيقى الأندلسية المغربية وتحدياتها في ظل عالم متغير على جميع المستويات، مؤكدا على أن ما يميز الموسسقى الأندلسية بمقابل باقي أنواع الموسيقى على مستوى العالم هو حفاظها على أصالتها.
كما كانت كلمة الأستاذة الدكتورة لالة مريم بلغيثة عن جامعة زايد، أبو ظبي بالإمارات العربية، ورقة اختارت لها كعنوان ” دلالات عابرة للضفاف: الاشتراك اللفظي في المعجم العربي بين المغرب والأندلس.” ذلك أنها انفتحت على جانب آخر يعكس وجها من أوجه التفاعل الثقافي بين العدوتين، وهو مجال المعجم العربي المشترك.
ليقدم بعدها رئيس الجلسة العلمية الثانية مداخلة عن بعد، للدكتورة وأستاذة التاريخ الإسلامي والحضارة بجامعة دمنهور/ مصر، تيسير محمد شادي تمحورت حول موضوع “المشترك الحضاري بين المغرب والأندلس”، هذا المشترك الحضاري حسب المتدخلة الذي يعتبر واسعا ومتشعبا، نظرا لكونه علاقة وثيقة تربط الحضارتين عبر التاريخ في مجالات متعددة، منها الدين والثقافة والفن والعمران، واسترسلت موضحة أن هذا المشترك الحضاري يعكس تبادلا ثقافيا ونقل خبرات بين الطرفين، حيث أن أثر الأندلس على المغرب كبير والعكس أيضا.
كما تخللت الجلسة العلمية الثانية كلمات مهمة لمجموعة من المتدخلين من الباحثين، كانت باكورتها بورقة للأستاذة الباحثة بجامعة الحسن الثاني إلهام البوزيدي، كان موضوعها حول “ظلال أبو نواس في شعر المغرب والأندلس”، تلتها كلمة للأستاذ الباحث بجامعة محمد الخامس طارق زكري موسومة ب ” التأثير الأندلسي في المعمار الطيني بواحات الجنوب الشرقي المغربي”، ثم مداخلة بعنوان “الدراسات القرآنية في المملكة المغربية والأندلس وعلاقة المثاقفة بينهما” أعدها وقدمها الأستاذ بدر الصلتي عن وزارة التعليم بسلطنة عمان، ليكون مسك الختام بعرض معنون ب” الذائقة الأدبية العربية الأندلسية وأثرها في الأدب المغربي” للأستاذة شمسة بنت عبيد الهنائية عن وزارة التعليم بسلطنة عمان أيضا. ليتم بعد هذه المداخلات القيمة فتح باب المناقشة أمام الحضور، ثم بعد المناقشة أعلن الدكتور محمد التاقي مسير الجلسة العلمية الثانية عن نهايتها شاكرا المتدخلين والمشاركين.
وفي ختام لهذه التظاهرة العلمية تفضل الدكتورمحمد جودات رئيس المنظمة الدولية لحماية التراث، بكلمة شكر فيها المشاركين والمتدخلين، وكذا اللجنتين العلمية والمنظمة لهذه الفعالية العلمية والفكرية، على دورها الكبير في انجاح هذه الفعالية الدولية.
وبعد كلمة الختام رفع الستار عن هذا الحدث المتميز بحفل غذاء مغربي يجسد التميز المغربي في مجال الطبخ في فضاء تقليدي أصيل شد انتباه المشاركين غير المغاربة بشكل خاص.