أقدمت وزارة التربية الوطنية منذ أكثر من عقد على إصلاح (جذري) استهدف بعض المصطلحات. يتعلق الأمر بتغيير اسم الإعدادية بمصطلح جديد هو الثانوية الإعدادية،وكذلك الشأن بتغيير اسم الثانوية إلى الثانوية التأهيلية. لم يقف الأمر عند هذا الحد ،بل امتد ليشمل المندوبية الإقليمية لوزارة التربية وكذا السيد المندوب ليصبح مكانهما المديرية الإقليمية وعلى رأسها المدير الإقليمي.
السؤال هو ما الغاية من هذه المصطلحات؟ ومن المستفيد منها؟ وما انعكاساتها الايجابية على المعني بالأمر (التلميذ)؟ وما هي المنطلقات البيداغوجية التي بررت هذا الاختيار؟
نفس الفترة عرفت مصطلحا جديدا هو الهدر المدرسي،وضرورة التجند لمحاربته.وألقت تفعيله عمليا على عاتق الأستاذ بمشاركة التلاميذ.لقد تجند الطاقم التربوي داخل المؤسسات لإنجاحه.فكان الفشل الذريع هو المآل .لعل التقارير الخادعة التي قدمت إلى المسؤولين في المركز جعلتهم يتوهمون نجاح هذه الخطوة من خلال عدد التلاميذ الذين التحقوا بمؤسساتهم. كانت الإحصائيات الرسمية مفعمة بالفرح والتفاؤل.وغاب عن الوزارة أن هذا العدد الضخم (المبالغ فيه) لم ينه سنته داخل فصول الدراسة.لم يمض وقت طويل فانسحب المنقطعون إلى قواعدهم سالمين.لم يستطع هؤلاء مسايرة إيقاع التعلمات بفعل انقطاعهم عن الدراسة .فخلال التحاقهم بالمقاعد المدرسية لم يستطيعوا الاندماج. كما أن المدرسين وجدوا صعوبة في التعامل مع هذه العينة.فكيف لهم أن يجمعوا بين السير العادي للدروس ،وبين هؤلاء؟ إنهم في حاجة ماسة لتعلمات أخرى أقل مستوى من الفصول التي وجدوا أنفسهم محشورين فيها .
الهدر المدرسي لا يمكن التضخيم من شأنه.فهو لا يطال سوى نسبة ضئيلة من المتعلمين سواء في العالم القروي أو المجال الحضري .وأسبابه عديدة يمكن حصرها في نوعين
ا-الهدر الإرادي ويتعلق برغبة التلميذ في تغيير مجاله الدراسي بمجال آخر (يدوي) يرى فيه ذاته .فالمدرسة الحاضنة لم تقدم له عرضا يوافق طموحاته (الصغيرة).فالدروس الصفية لا تعنيه لأنه لم يستطع استيعاب محتوياتها.وهنا نتساءل عن البدائل التي تواكب هذه الفئة.
ب-الهدر نتيجة الإكراه وهنا تتدخل قوى قاهرة تمنع المتعلمين من مواصلة مشوارهم الدراسي. فالأسباب الاجتماعية كثيرة كالطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو معاناة بعض الأسر من الهشاشة .كما أن بعد المؤسسة التعليمية عن السكن يجبر أسرا على عدم تشجيع تمدرس أبنائها (انتقال الأطفال من الابتدائي إلى الإعدادي،أو من الإعدادي إلى الثانوي).
وهذا النوع الأخير يمكن محاربته من خلال (دار الطالب والطالبة) أو توفير النقل المدرسي لأبناء العالم القروي وإحداث مطاعم مدرسية تلبي حاجيات التلميذ الأساسية.لقد استهلك الهدر المدرسي أطنانا من الخطابات والتقارير والتوجيهات.وغاب عن المسؤولين هدر الزمن المدرسي.والمقصود به هل هذا الزمن ينفق في عمليات التعلم؟وهل كانت المراقبة صارمة ليأخذ الزمن المدرسي طريقه العادي دون هدره؟ولعل أصحاب الصرامة في أمس الحاجة للصرامة معهم.كيف نضبط الزمن المدرسي ونتحكم فيه وكؤوس الشاي لا يخلو منها فضاء المؤسسات؟(سواء كانت تربوية أو إدارية.محلية أو جهوية أو مركزية).
لقد ورد في( تقرير المدرسة الجديدة)ما يلي *وضع المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الرؤية الإستراتيجية 2015-2030 التي تمت ترجمة مضامينها الأساسية إلى القانون الإطار 17-15 الذي يجسد تعاقدا وطنيا يلزم الجميع ويلتزم الجميع بتفعيل مضامينه ص 9.
أنا أتساءل عن (تعاقدا وطنيا) .كيف تحقق هذا التعاقد الوطني ؟ (يلزم الجميع ويلتزم الجميع بتفعيل مضامينه …) يلزم من ؟ومع من؟ إن مصطلح (التعاقد) يحيلنا على مشروع تم إعدامه من طرف الشركاء .فكيف نتغنى ب(تعاقد وطني ) والوزارة الوصية ألغت العمل بالتعاقد ؟
مشروع المدرسة الجديدة يطرح أكثر من سؤال.فعن أية مدرسة جديدة يتحدث المشروع؟ قبل الحديث عن المدرسة الجديدة تعالوا نلق إطلالة على المدرسة الحقيقية التي يجهل أصحاب المشروع عوالمها الخفية.فهل يعلم السيد الوزير ومعه المجلس الأعلى للتربية أن المدرسة الابتدائية في المدن والقرى لا تتوفر على ملاعب للرياضة؟ فكيف يتم رفع تقارير إلى الوزارة وتضمينها أن أساتذة التعليم الابتدائي يمارسون حصص الأنشطة الرياضية مع تلامذتهم والمدرسة تفتقر إلى فضاء لهذا الغرض؟ أما في العالم القروي فالمصيبة أكبر.فإضافة إلى غياب ملاعب رياضية فإن كثيرا من المؤسسات والفرعيات تفتقر إلى أسوار لحماية حرمة المؤسسة من الدخلاء،كما تفتقر إلى دورات للمياه (مراحيض) فيضطر الأطفال إلى قضاء حاجياتهم البيولوجية في الخلاء.
1- تسوير مدارس العالم القروي.
2- تجهيزها بدورات المياه(المراحيض).
3- توفير ساحات للأنشطة الرياضية.
4- بناء قاعة بسيطة متعددة التخصصات (كرة السلة وكرة اليد والكرة الطائرة…).
5 – بناء قاعة متعددة الأنشطة لتقديم تمثيليات ،أفلام،أنشطة،حفلات موسيقية…
6 – بناء مستودع للملابس (للذكور وآخر للإناث) 7- تعيين أستاذ للتربية البدنية .
8 – تعيين أستاذ للأنشطة الفنية من خريجي المعهد العالي للمسرح .
9- إلزامية الوزرة (لون أزرق للذكور ولون أبيض أو وردي للإناث) داخل المؤسسات الابتدائية . وإلزامية البذلة الموحدة لأقسام الإعدادي والثانوي.
فالبذلة والوزرة تفرض على المتعلم سلوكا حضاريا خارج الفصل.فهي تجنبه القيام بحركات غير مسؤولة كالشجار والارتماء فوق التراب أو اللعب أثناء ذهابه وخروجه من المدرسة.إنها تهذب سلوكه .إن الأمم الإفريقية التي حققت نسبة مرتفعة من النمو الداخلي السنوي تولي عناية خاصة للزي الموحد (ساحل العاج، رواندا،كينيا،تنزانيا …).
فخلال مشواري المهني (ما يزيد عن ثلاثين سنة ) لم يصدر المسؤولون مذكرات لتفعيل أو التذكير بإلزامية البذلة الموحدة .كانت نسبة قليلة من الأساتذة تجتهد ولا تتسامح مع غيابها ،كما شنت حملات ضد ارتداء الفتيان والفتيات للجلابيب والبلاغي والطرابيش والطاقيات.والشيء بالشيء يذكر ،فلا بد من إلزام رجال ونساء التعليم بهندام تربوي محترم. فالجميع – تلاميذ ومربين- يحضرون لمؤسسات عمومية لها قوانينها وأعرافها،والجميع مطالب باحترامها .فالمربي هو المثل الأعلى عند الناشئة .فينبغي أن يكون في مستوى هذه القدوة.
10- إشراك ساكنة العالم القروي في حراسة المدارس بشكل تطوعي وبالتناوب لحماية ممتلكات المدرسة.ولم لا جعلها فضاء تجتمع فيه ساكنة العالم القروي لبحث مشاكلها وطرح مقترحات بشأنها بعيدا عن تدخل أو توجيه السلطة المحلية أو الإقليمية.
بعيدا عن لغة الخشب ولغة الخيال، فالمدرس المغربي بجميع أسلاكه لا تعنيه قضية الحكامة.كل ما يعنيه هو الشق التربوي.فالحكامة تتعلق بالتدبير الإداري ولا تعني المتعلم أو المربي.الحكامة هي الوقوف على جودة الخدمات أثناء بناء القاعات الرياضية والمتعددة التخصصات وفقا لدفتر التحملات الذي تهيئه الجهة الوصية(مركزية أو جهوية أو إقليمية). إنها عملية لا تدخل ضمن اختصاصات رجال التربية والمتعلمين.