اخبار دولية

أزمة متفاقمة بين الجزائر ودول الساحل: صراع نفوذ وأمن إقليمي على المحك

عزيز الحنبلي -تنوير

عاد التوتر ليخيّم مجددًا على العلاقات بين الجزائر ودول الساحل الثلاث: مالي، النيجر، وبوركينا فاسو، بعد قرار هذه الأخيرة سحب سفرائها من الجزائر على خلفية إسقاط طائرة مسيّرة، وهو ما ردت عليه الجزائر بالمثل وأغلقت مجالها الجوي أمام طائرات هذه الدول.

هذا الخلاف ليس الأول من نوعه، إذ سبقته توترات متكررة خلال السنوات الماضية، حيث تتهم مالي الجزائر بالتواصل مع جماعات تصنفها إرهابية، بينما تنفي الجزائر ذلك وتعتبره “ادعاءات باطلة”.

وفي بيان رسمي، أعربت وزارة الخارجية الجزائرية عن استيائها من قرار الحكومة الانتقالية في مالي، مشيرة إلى أن “الادعاءات لا تعدو أن تكون محاولة لصرف الأنظار عن فشل المشروع الانقلابي الذي أدخل البلاد في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار”. كما انتقدت موقف كل من النيجر وبوركينا فاسو واعتبرته “انحيازًا غير محسوبًا”.

الجيش الجزائري أعلن في وقت لاحق أنه أسقط طائرة استطلاع مسيّرة في منطقة تيزاواتين بعد أن اخترقت المجال الجوي الجزائري بمسافة كيلومترين، بينما نفت مالي صحة هذا الادعاء، مؤكدة أن الطائرة لم تغادر أجواءها، وأن حطامها وُجد داخل أراضيها.

على إثر ذلك، قررت مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة لمكافحة الإرهاب، ورفعت شكوى دولية ضد الجزائر متهمة إياها بعمل عدائي.

كما ردّت مالي بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية الجزائرية، تبعتها بوركينا فاسو والنيجر بمواقف مماثلة، في تصعيد غير مسبوق في العلاقة مع الجزائر.

يُعزى جزء كبير من التوتر إلى الاختلاف في أسلوب التعامل مع الجماعات المسلحة في منطقة الساحل. فالجزائر تدفع نحو حلول سياسية وتفاوضية، خصوصًا في إقليم أزواد شمال مالي، بينما تعتمد مالي على الحل العسكري بدعم من مجموعة فاغنر الروسية.

كما اتهمت مالي الجزائر بالتواصل مع حركات مثل “جبهة تحرير أزواد” المصنفة إرهابية من قبل باماكو، وهو ما تنفيه الجزائر جملة وتفصيلاً. وتفاقم الوضع في عام 2023 عندما استقبلت الجزائر شخصيات معارضة للحكومة المالية، ما دفع باماكو لسحب سفيرها آنذاك، في خطوة ردّت عليها الجزائر بالمثل.

وفي يناير 2024، أعلنت مالي انسحابها من اتفاق السلام الموقع في الجزائر عام 2015، معتبرة أنه لم يعد يلبي طموحاتها، وهو ما اعتبرته الجزائر تقويضًا لجهود دامت عشر سنوات من الوساطة.

الجزائر، من جهتها، رأت أن العمليات العسكرية التي تشنها مالي على حدودها دون تنسيق تمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة في ظل تعاون مالي مع تركيا وروسيا في مجال الطائرات المسيّرة والتسليح.

المراقبون يرون أن التوتر بين الجزائر ومالي ليس منعزلًا عن الصراع الدولي في منطقة الساحل، حيث تتنافس قوى كبرى مثل روسيا، الصين، والولايات المتحدة على النفوذ في المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية. ومع انسحاب فرنسا، بدأت روسيا وتركيا توسيع نفوذهما، مما عمّق الانقسامات.

الجزائر تشعر أن نفوذها التاريخي في المنطقة بات مهددًا في ظل اختراقات دبلوماسية وأمنية من قوى أخرى. ووفق محللين، فإن تصعيد الجزائر الأخير يعكس رغبة في إعادة رسم قواعد اللعبة الإقليمية، خاصة بعد اتهامها بأن السلطات المالية باتت أداة لتنفيذ أجندات خارجية.

ويؤكد الخبراء أن الأزمة الراهنة تعكس تداخلات سياسية، أمنية، ودبلوماسية معقدة، خصوصًا مع انسحاب مالي من التحالفات الغربية وتوجهها نحو روسيا، في ظل اضطرابات أمنية متواصلة منذ عام 2012.

ختامًا، يبدو أن الأزمة دخلت مرحلة اللاعودة بين الجزائر والنظام العسكري الحاكم في باماكو، وسط مخاوف من أن يؤدي التصعيد المتبادل إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الساحل، التي باتت ساحة مفتوحة لصراعات النفوذ الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى