وجهة نظر

سلاح الشائعات الخفي: تهديد صامت يزعزع الأفراد ويفجّر الصراعات بين الدول-بقلم: حميد قاسمي

في عصر السرعة الرقمية وتضخم وسائل الاتصال، لم تعد الشائعة مجرد حديث عابر في المجالس، بل أصبحت عاملاً فاعلاً في تشكيل الرأي العام، ومصدر قلق متزايد للمجتمعات الحديثة. ويزداد الوضع خطورة حين تقترن الشائعات بظواهر مقلقة أخرى، مثل الأخبار الزائفة، والتشهير، والسب، والقذف، مما يفرض علينا وقفة جادة للتفكير والتحصين والتصدي.
ما هي الشائعة؟ ولماذا هي خطيرة؟

الشائعة هي كل معلومة يتم تداولها على نطاق واسع دون مصدر موثوق، وغالباً ما تحمل طابعاً مثيراً أو سلبياً. تنمو بسرعة، وتتغلغل في الرأي العام، وتُحدث تأثيراً يفوق في بعض الأحيان الحقائق الموثقة.
وقد أظهرت العديد من التجارب أن الشائعات قادرة على:
• تدمير العلاقات الاجتماعية والعائلية؛
• التشويش على العمل المؤسسي والإداري؛
• إثارة الخوف والتوتر والبلبلة؛
• تحطيم السمعة الفردية والمهنية؛
• إثارة الفتن والخلافات في المحيط العام.
الأخبار الزائفة (Fake News): سلاح خفي في زمن الإعلام المفتوح
في كثير من الأحيان، يتم بث أخبار مزيفة تُقدَّم بشكل احترافي يخدع المتلقي، ويُروَّج لها على أنها معلومات حصرية أو عاجلة. وتُستغل هذه الأخبار لتوجيه الرأي العام أو لتشويه صورة جهات أو أفراد، دون التحقق من صحة المعطيات أو احترام الضوابط المهنية.
تلعب مواقع إلكترونية وصفحات غير رسمية دوراً مركزياً في هذا النوع من التضليل، مستفيدة من الانتشار السريع، وضعف ثقافة التحقق لدى الجمهور، لا سيما في بيئة يسودها التفاعل العاطفي وغياب الوعي الإعلامي.
التشهير والسب والقذف: انتهاك صارخ لكرامة الإنسان
مع اتساع فضاء التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل توجيه الإهانات أو كشف الخصوصيات أو التلاعب بالصور والمقاطع في إطار تشهيري، يُسوَّق أحياناً كنوع من “الفضح” أو “السبق الصحفي”، بينما هو في الحقيقة جريمة قانونية تستهدف سمعة الفرد وسيرته الاجتماعية والمهنية.

السبّ والقذف لم يعودا مجرد ألفاظ عابرة، بل أصبحا أداة مفضّلة لدى البعض لتصفية الحسابات أو كسب التفاعل على حساب كرامة الغير.
الشائعات كأداة لخلق الصراعات بين الدول
إن من أخطر ما يترتب على الشائعات والأخبار الزائفة هو استخدامها كوسيلة لتأجيج الخلافات وخلق التوترات بين الدول. فقد أصبح التضليل الإعلامي أداة في “الحروب السيبرانية” الجديدة، يُستعمل بشكل ممنهج لتقويض الثقة بين الشعوب، وتخريب العلاقات الدبلوماسية، بل وحتى التمهيد لأزمات سياسية وعسكرية.
كم من صراع نشب بسبب تسريب معلومات مغلوطة نُسبت زيفاً إلى مسؤولين أو مؤسسات سيادية؟ وكم من أزمة دبلوماسية اندلعت نتيجة حملة ممنهجة من الأخبار المزيفة تهدف إلى تشويه صورة دولة أو تقويض شرعية نظامها؟
أمثلة من التاريخ الحديث، لا سيما في فترات الأزمات الجيوسياسية، تُظهر كيف تلعب الشائعة دوراً محورياً في إشعال الحروب، أو على الأقل في تعطيل مسارات التفاوض والتعاون. وقد باتت بعض الجهات تتعمد خلق بيئة إعلامية مشوشة، حيث تختلط الحقائق بالأكاذيب، ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات مصيرية على أسس مضللة.
من هنا، فإن حماية الأمن القومي لم تعد مرتبطة فقط بالأسلحة التقليدية، بل باتت تعتمد أيضاً على كفاءة الدولة في رصد المعلومات الكاذبة، والتصدي لحملات التضليل، وبناء وعي وطني قادر على التمييز بين الحقيقة والدعاية.
مسؤولية جماعية في مواجهة الخطر
مواجهة الشائعات والأخبار الزائفة والتشهير مسؤولية يتقاسمها الجميع:
• على الأفراد التوقف عن إعادة نشر كل ما يردهم دون تدقيق أو تحقق؛
• على الإعلام المهني أن يلتزم بالمصداقية ويبتعد عن الإثارة الزائفة؛
• على المنصات الاجتماعية أن تتحمل دورها في الحد من المحتوى المسيء؛
• وعلى السلطات المختصة أن تُفعّل القوانين الزاجرة في حق من يمتهنون التشهير والسب والقذف عبر الوسائط الرقمية.
ختامًا
إن خطر الشائعة لا يكمن فقط في محتواها، بل في البيئة التي تحتضنها، والسهولة التي تنتشر بها، وغياب الوعي الرقمي في التعامل معها. والتشهير والأخبار الزائفة ليست مجرد ظواهر طارئة، بل هي تحديات حقيقية تهدد السلم المجتمعي، وتُقوّض الثقة بين الأفراد والدول، بل وتفتح الأبواب أمام صراعات عابرة للحدود.
وعيُنا هو الحصن الأول، وتحقيق التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الأخلاقية هو ما نحتاج إليه لتأمين فضائنا الإعلامي والاجتماعي من العبث والفوضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى