وجهة نظر

الكتابة كفعل مقاومة بأفق تفكيك السرديات الأمنية والدينية -*مصطفى المنوزي

في عصرنا السياسي المتردد هذا، يهيمن الخطاب الشفوي المتضخم ، والذي يضفي الشرعية على التصريحات العشوائية غير المسؤولة لأنها سائلة كما الإسهال . ورغم توثيقها بالصوت والصورة، تتعزز ثقافة الإفلات من المحاسبة تحت ذريعة التلفيق، مما يدفعنا إلى دوامة الشك في الخبرات “غير المحايدة”، المشبعة بأجندات سياسية وانتخابية. في خضم هذا المشهد، تتعاظم آليات الضبط الرمزي، وتتقاطع السرديات الأمنية مع نظيراتها الدينية لإنتاج الطاعة وتدجين الذاكرة. وهنا تتحول الكتابة من مجرد فعل ثقافي إلى سلاح نقدي لتحرير الوعي، يكشف البنى الخفية للهيمنة.

لقد صارت السرديات الأمنية أنظمة لغوية تخلق الخوف، وتُشرعِن الخنوع، وتحدد حدود الممكن. وفي مواجهتها، لا تواجه سرديات التحرر تحدياتها فحسب، بل تُحاصر أيضًا بسرديات دينية محافظة تُكرّس السلطوية وتجرد الخلاص من بعده التحرري، لتعيد إنتاج الطاعة تحت شعارات المطلق أو الطهرانية أو الغيبيات.

في هذا السياق المعقد، نؤكد على دور الكتابة كفضاء حيوي لمقاومة هذه التواطؤات السردية، واستعادة دورها الجوهري: مساءلة المعنى، تحرير الذات، ومواجهة أدوات الهيمنة.

الكتابة كأفق ثالث: بين سلطة الدولة وسلطة المقدس :

نحن أمام صراع مركب لا ينحصر في ثنائية القمع والتحرر، بل يتشابك فيه الأمني باللاهوتي، حيث يعمل كليهما على ضبط المخيال الجماعي وتطويع اللغة والذاكرة. لذلك، نطلق هذا المقال / النداء كخطوة جماعية لاستعادة الكتابة:

– لنجعل منها أداة لتفكيك السرديات الأمنية التي تبرر العنف باسم الاستقرار، وتحول الفضاء العام إلى ساحة اشتباه.

– ولنحولها إلى مرآة تعكس تناقضات السرديات الدينية التي تقيد الخلاص وتستبدل التحرر بالانضباط.

– ولنبتكر من خلالها أفقًا سرديًا ثالثًا، يحمي المعنى من المصادرة، ويحرر اللغة من سطوة الخوف.

فلنصغ معا دعوة للعمل: ورشات كتابة تحريرية :

ندعو إلى فتح ورشات للكتابة التحويلية تعمل على:

* تفكيك خطاب المذكرات الأمنية والبلاغات السلطوية.

* نقد الخطابات الدينية التي تبرر القمع أو تحتكر الحقيقة باسم القداسة.

* استعادة أخلاقيات الكتابة كفعل إنساني منفتح، لا كوصاية أو تلقين.

* تحويل الكتابة إلى فضاء للعدالة الرمزية، حيث يحق للأفراد والجماعات سرد ذواتهم بعيدًا عن الإملاءات الكبرى.

فلنكتب إذن، ليس لملء الفراغ، بل لكشف التواطؤ بين الأمني واللاهوتي و نكتب لتحرير الخلاص من قيود الطاعة، ولنعيد للكتابة روحها الأصلية لكي تكون جسرًا إلى ما لم يُكتَب بعد فالكتابة نقد ومحاسبة ما دامت آليات (الدولة ) لافتحاص المعنى والمغزى والجدوى عاجزة عن إنتاج التفكير النقدي التوقعي !

 *منسق ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى