عزيز الحنبلي -تنوير
في تطور مثير للقلق يهدد أحد أهم الأنظمة البيئية في العالم، تستعد الحكومة البرازيلية لطرح مواقع للتنقيب عن النفط في مصب نهر الأمازون، حيث يلتقي أعظم نهر في العالم بالمحيط الأطلسي. الخطوة، التي تقودها إدارة الرئيس البرازيلي، أثارت جدلًا واسعًا على المستويين المحلي والدولي، نظرًا لما تمثله من تهديد مباشر للتنوع البيولوجي الهائل في المنطقة، ولحياة نحو 30 مليون شخص يعتمدون على نهر الأمازون في معيشتهم اليومية.
يمتد نهر الأمازون عبر غابات كثيفة تعتبر “رئة العالم”، وتُعدّ موطنًا لعدد لا يُحصى من الكائنات الحية، بعضها لا يوجد في أي مكان آخر على وجه الأرض. ويُغذّي هذا النهر العملاق شبكة بيئية معقدة تضم قبائل أصلية، ومجتمعات ريفية، ونظمًا زراعية وصحية تعتمد بشكل كامل على المياه والتنوع الطبيعي الذي يوفره.
غير أن هذا النسيج البيئي والإنساني الدقيق أصبح الآن مهددًا بفعل التوجه الجديد نحو استغلال الموارد النفطية عند مصب النهر، في منطقة ذات حساسية قصوى من الناحية البيئية.
بحسب مصادر بيئية، فإن الحكومة البرازيلية تخطط لطرح مواقع تنقيب نفطي في مزاد علني، رغم التحذيرات التي أطلقتها منظمات بيئية ومراكز أبحاث محلية ودولية. وتُعتبر منطقة مصب الأمازون من المناطق البيئية الفريدة التي تمتزج فيها المياه العذبة بالمالحة، وتحتضن أنواعًا مهددة بالانقراض من الأسماك والطيور والثدييات.
ويحذر الخبراء من أن أي تسرب نفطي – حتى وإن كان صغيرًا – قد يؤدي إلى كارثة بيئية يصعب احتواؤها، نظرًا لحساسية المنطقة وعدم وجود بنية تحتية مناسبة لمواجهة مثل هذه الحوادث.
وقد وُجهت انتقادات شديدة إلى الرئيس البرازيلي بسبب إصراره على المضي قدمًا في هذا المشروع، رغم المعارضة العلمية والبيئية المتزايدة. ويعتبر ناشطون بيئيون أن ما يحدث يُعد عودة إلى سياسات استنزاف الموارد الطبيعية دون اعتبار للآثار طويلة الأمد.
من جانبها، تؤكد الحكومة أن الخطوة تأتي في إطار “استغلال سيادي للثروات الطبيعية”، و”تنمية اقتصادية” لقطاع الطاقة. إلا أن مراقبين يرون أن المكاسب الاقتصادية قصيرة الأجل لا تبرر المخاطر البيئية الهائلة.
يطالب عدد من المنظمات الدولية والجهات الأكاديمية بتجميد أي مشروع تنقيب في منطقة المصب، واعتبارها منطقة بيئية محمية دوليًا، أسوة بمناطق التراث الطبيعي العالمي. كما دعت مجموعات من السكان الأصليين إلى إجراء مشاورات شعبية واحترام حقوق المجتمعات المحلية قبل اتخاذ أي قرار يمس مستقبل نهر الأمازون.
تبقى معركة مصب نهر الأمازون عنوانًا لمفترق طرق تواجهه البشرية اليوم: هل نختار الربح السريع على حساب مستقبل الأرض؟ أم نرتقي بمسؤوليتنا تجاه الكوكب والإنسان، لنضمن توازنًا حقيقيًا بين التنمية وحماية البيئة؟
الأسابيع المقبلة قد تحمل الجواب، لكن المؤكد أن العالم بأسره يترقب ما ستقرره البرازيل بشأن نهر يُعدّ شريان الحياة لكوكبنا.