بقلم الكاتب المغربي أحمد قابيل
قلناها منذ سنوات إلى أن بحّت أصواتنا، قلنا لابد من الخروج من الشرنقة الفرنكوفونية، من الغيتو الفرنكوفوني إلى رحاب المعرفة الواسعة لنستفيد من إمكانيات الاتصال بالعالم باللغات الشائعة فيه كالانجليزية، والاسبانية… لكن اللوبي المعروف ظل يفرض على المغاربة منذ ستين سنة اختيارا لغويا واحدا مع ما يكلف ذلك معرفيا وعلميا واقتصاديا ومساسا بالهوية.
لغة العلم الحديث هي الانجليزية، ولغة الانترنيت الشائعة هي الانجليزية، واللغة الرسمية للعديد من الدول في كثير من القارات هي الانجليزية، والذين يحضرون المؤتمرات والندوات الدولية من طبقتنا السياسية والعلمية والثقافية أصبحوا متأكدين من هذه البديهية.
بدون الانجليزية يصعب عليك أن تستفيد الاستفادة المرجوة من حضور هذه المؤتمرات وهذه الندوات، ومن آخر ما وصل إليه العلم.
السيد وزير التعليم العالي اقتنع بذلك وظل يكرره في العديد من المناسبات، وكنا نظن أنه سيظل في مستوى التصريحات، وفي مستوى الكلام، إلى أن فاجأنا هذا الأسبوع بإصدار مذكرة موجهة إلى رؤساء الجامعات ومؤسسات التعليم العالي يحدد فيها معايير جديدة (شروطا) لقبول أطروحات الدكتوراه ابتداء من فاتح سبتمبر 2017، وهي أن يكون الباحث قد – نشر مقالة واحدة على الأقل باللغة الإنجليزية – ضمن أطروحته مراجع باللغة الإنجليزية – ضمنها ملخصا باللغة الإنجليزية – إشراك ضمن أعضاء لجنة المناقشة عضو ملم باللغة الإنجليزية…
تلك معايير تراها المذكرة كفيلة بالنهوض “بالبحث العلمي داخل جامعاتنا ومؤسساتنا، وتساهم في تحسين مخرجاتها والاستفادة من نتائجها بمختلف أنواعها في معظم مناحي الحياة العملية..”
لن أتحدث عن تدخل هذه المذكرة الإدارية في عمل اللجان العلمية المكلفة بمناقشة أطروحات الدكتوراه فذلك حديث آخر، ولكني سأتناول هذه المذكرة من جوانب أخرى:
أليس التاريخ الذي حددته المذكرة للشروع في تطبيقها قريب جدا، هل هو كاف للمرشحين لإجادة لغة شكسبير الإجادة الكافية لتنشر لهم المجلات المحكّمة مقالات رصينة لغة ومضمونا؟
كلام السيد الوزير عن أهمية اللغة الانجليزية وضرورة إجادتها من قبل كل باحث شئ لايناقش، ولكن هذه المذكرة قدمت العربة على الحصان كما يقال.. ألم يكن من الأجدر والأولى أن يتم أولا مراسلة السادة رؤساء الجامعات والمعاهد العليا لإقرار اللغة الانجليزية مادة أساسية في كل مراحل التعليم الجامعي سواء في الكليات والمعاهد العلمية أو الإنسانية، وذلك بالرفع من معاملها وعدد ساعات تدريسها، مع ما يرافق ذلك من تزويد مكتباتها وخزاناتها بالمراجع في هذه اللغة؟
لأن واقع الحال يقول بأن هذه اللغة لا وجود لها البتّة في كثير من كلياتنا ومعاهدنا العليا، والتلميذ الذي قضى سنوات في دراسة الإنجليزية في التعليم الثانوي، تنقطع صلته بها بعد أن يتخطى عتبة التعليم الجامعي، ويكاد ينسى ما تعلمه منها بعد تخرجه.
هل راعت المذكرة الطلبة الذين لم يسبق لهم دراسة اللغة الإنجليزية لأنهم اختاروا في التعليم الثانوي (أو فُرضت عليهم) اللغة الإسبانية أو الألمانية..؟
أليس من الأجدر والأولى أن تدخل هذه المذكرة ضمن رؤية شمولية للحكومة ككل تنخرط فيه كل الوزارات المعنية، حتى لا تكون وزارة التعليم العالي جزيرة معزولة؟
نعم لهذه المذكرة التي تولي اهتماما للغة الانجليزية.. ولكن اجعلوها مذكرة قابلة للتنفيذ.