أخبار وطنية

إحالة تقارير المجلس الأعلى للحسابات على القضاء: خطوة منتظرة أم تكريس لواقع الانتقائية؟

عزيز الحنبلي -تنوير

في تطور اعتبره كثيرون ذا دلالة قوية في سياق محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة، تم تداول خبر مفاده أن رئيس النيابة العامة أصدر تعليماته بإحالة جميع تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية على الشرطة القضائية، من أجل إنجاز الأبحاث القضائية الضرورية، مع دعوته للوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف المجهزة بأقسام جرائم المال العام إلى تسريع وثيرة الأبحاث في الملفات العالقة منذ مدة.رغم احالة تقارير دون اخرى تطرح أسئلة كثيرة تبقى معلقة:

هل ستكون خطوة إحالة التقارير بداية مسار محاسبة حقيقي؟ أم مجرد حركة فوقية لا تلامس جوهر الإشكال؟ وهل يمكن فعلاً الحديث عن إرادة سياسية واضحة لمكافحة الفساد، في ظل هذا التداخل في الصلاحيات، والانتقائية في التفعيل؟

ورغم الأهمية السياسية والإعلامية لهذا المستجد، فإنه لا يخلو من إشكالات قانونية، لعل أبرزها ما تنص عليه المادة 111 من مدونة المحاكم المالية، والتي تشترط أن يتم تحويل التقارير ذات الطابع الجنائي من طرف الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، وليس مباشرة من رئيس النيابة العامة، وهو ما كان موضوع نقاش قانوني حاد في مناسبات سابقة.

ما لا يمكن إنكاره، هو أن الرأي العام الوطني يتطلع منذ سنوات إلى أن تُحال تقارير الفساد المالي والإداري على القضاء، وأن تتم متابعة المسؤولين المتورطين، بدل أن تبقى التقارير الرسمية مجرد وثائق إدارية أرشيفية. غير أن هذا التطلع يصطدم بجملة من المعطيات التي تثير تساؤلات مشروعة حول نجاعة هذا المسار:

  • عدم شمولية التقارير: هناك مؤسسات ووزارات وهيئات لم تشملها افتحاصات المجلس الأعلى للحسابات، رغم إدارتها لميزانيات ضخمة. بل إن بعض التقارير المنجزة لم يتم نشرها، أو لم تُحال على القضاء رغم احتوائها على شبهات ذات طابع جنائي.

  • غياب المعايير الواضحة: لا يزال الرأي العام يجهل المعايير التي يعتمدها المجلس في اختيار المؤسسات التي يتم افتحاصها، وكذا تلك التي تُحال تقاريرها على النيابة العامة دون غيرها.

  • غياب إلزام قانوني مباشر: مدونة المحاكم المالية لا تُلزم الوكيل العام لدى المجلس بإحالة التقارير ذات الصبغة الجنائية، مما يجعل الأمر خاضعًا لتقدير إداري، لا لضوابط إلزامية واضحة.

إشكال آخر يُعقّد المسألة، ويتعلق بالمقتضيات المقترحة في مشروعي المادتين 3 و7 من قانون المسطرة الجنائية، والتي ستجعل تحرك النيابة العامة في قضايا الفساد مرهونًا بتقارير رسمية صادرة عن جهات تابعة للسلطة التنفيذية، مثل المفتشية العامة للمالية أو الداخلية. هذا المعطى سيحد من استقلالية النيابة العامة، وسيسمح بإغلاق الباب أمام المبادرات التلقائية في تتبع الجرائم المالية.

وقد سبق لوزير العدل والحريات الأسبق، الأستاذ مصطفى الرميد، أن حاول كسر هذا الجمود من خلال تشكيل لجنة قضائية عهد إليها بدراسة تقارير المجلس الأعلى للحسابات وإحالة ما يكتسي منها طابعًا جنائيًا على القضاء. غير أن هذه المبادرة اصطدمت آنذاك بموقف رئيس المجلس الأعلى للحسابات، السيد إدريس جطو، وبرلمانيين اعترضوا على هذا التوجه، محتجين بالمادة 111، معتبرين أن الوزير لا يملك صلاحية التحرك دون إحالة رسمية من الوكيل العام لدى المجلس الأعلى للحسابات.

ما يحدث اليوم يُعيد إلى الواجهة الصراع الخفي بين من يسعون إلى محاربة الفساد بفعالية واستقلالية، وبين تيار آخر، يرى في ضبط المجال القضائي والإداري وسيلة لتحصين نفسه من أي محاسبة، عبر:

  • تمرير تشريعات تُفرغ المساطر من محتواها؛

  • تقييد حركة النيابة العامة؛

  • التراجع عن تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح؛

  • وتعطيل أي نقاش جدي حول استراتيجية وطنية فعالة لاسترجاع الأموال المنهوبة.

إن ما يجري ليس مجرد نقاش قانوني تقني، بل هو معركة حقيقية على مستقبل الشفافية والمساءلة في المغرب. وهي معركة تتجاوز الفاعلين الرسميين، لتشمل كل مكونات المجتمع، من فاعلين مدنيين، ومؤسسات إعلامية، ونشطاء، ومواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى