أن يُقدم واليان، يشغلان مناصب سامية في الإدارة الترابية، على ذبح أضحية العيد في خضم دعوة ملكية واضحة وصريحة إلى الامتناع عن هذه الشعيرة لسنة استثنائية، فذاك سلوك يستدعي التوقف والتأمل؛ لا لغرابة الفعل فحسب، بل لخطورة رمزيته ودلالاته، خاصة إذا صدر عن مسؤولين يُفترض أن يكونوا في صدى التوجيهات الملكية، لا في مخالفاتها.
لقد كانت دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي هذه السنة دعوة نبيلة، مؤطرة بحس عالٍ من الواقعية والمسؤولية، تهدف إلى التخفيف من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية في ظرفية دقيقة تمر بها المملكة. كانت دعوة راقية، خاطبت وجدان المواطن وروح التضامن.
وبينما استجاب ملايين المغاربة لهذه الرسالة الملكية، اختار واليان أن يسلكا مسارًا معاكسًا، وكأنهما في موقع أعلى من الانضباط، أو في منأى عن مضامين التوجيهات العليا. ما حدث ليس مجرد مخالفة عادية، بل هو خطأ جسيم، يعكس ضعفًا في استيعاب الحس السياسي والرمزي، ومخالفة لتقدير سياق دقيق، وهو ما يفسر الإعفاء الفوري عقب الواقعة.
وما يضاعف من جدية الأمر هو غياب بلاغ رسمي عن وزارة الداخلية يوضح ملابسات القرار ويؤكد صلته المباشرة بالفعل المرتكب، أو ينفيها إذا لم تكن صحيحة. هذا الصمت المريب في ظل حادثة بهذا الحجم، يفتح الباب واسعًا أمام التأويلات ويثير تساؤلات كثيرة حول احتمال وجود دوافع أعمق لم تُعلن.
إن الرأي العام، وهو يتابع هذه القضية، لا يطالب أكثر من توضيح شفاف يليق بهيئة الدولة، ويحترم ذكاء المواطن، ويعزز منسوب الثقة في منهجية تدبير الشأن العام. فالمحاسبة ضرورية، لا ريب فيه، ولكن الوضوح لا يقل عنها أهمية، فهو صمام أمان العلاقة بين السلطة والمواطن.
علمتنا التجارب أن القدوة تبدأ من فوق، وأن المسؤولية العمومية أمانة قبل أن تكون سلطة، وأن الالتزام بتوجيهات جلالة الملك ليس خيارًا بل واجبًا وطنياً وأخلاقيًا. وكلما ارتكبت مخالفات من أعلى الهرم، تقل الثقة وتتزعزع صورة الإدارة.
لذا، فإن هذه الواقعة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام ودون مساءلة وتوضيح دقيق، ليس فقط لمحاسبة المقصرين، ولكن أيضًا لتكريس ثقافة جديدة قائمة على الانسجام التام مع التوجيهات الملكية، والاحترام الكامل للمسؤولية، والارتقاء بثقافة الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة