وجهة نظر

الضربة الإسرائيلية لإيران: صدمة استراتيجية ومفترق طرق إقليمي بقلم: حميد قاسمي

  في تطور بالغ الخطورة على صعيد العلاقات المتوترة بين إيران وإسرائيل، وجّهت الأخيرة ضربة موجعة إلى طهران، استهدفت مواقع حساسة وقيادات عسكرية رفيعة، ما اعتبره مراقبون صفعة استراتيجية فاجأت النظام الإيراني، وفتحت أبواب المنطقة على مرحلة جديدة من الصراع قد تمتد آثارها الجيوسياسية لعقود.

الصحفي اللبناني المتخصص في الشؤون السياسية سامي كليب، اعتبر في تحليل نشره مؤخراً أن إيران كانت في حالة غفلة استخباراتية غير مفهومة، لا سيما أن الجميع كان يترقّب تصعيداً عسكرياً محتملاً منذ أشهر. ويشبّه كليب هذا المشهد بما جرى خلال حرب 1967 حينما دُمّرت الطائرات المصرية وهي رابضة في مطاراتها، مشيراً إلى أن إيران أخطأت حين أبقت قادتها العسكريين مكشوفين دون اتخاذ إجراءات صارمة ضد الاختراقات التكنولوجية والتجسسية التي باتت تهدد عمقها الأمني.

التضليل الأميركي وأبعاد الهجوم

وفي سياق قراءته لخلفيات الهجوم، يلفت كليب إلى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لعب دوراً محورياً في تضليل إيران، من خلال رسائل مزدوجة أظهر فيها أن الضربة غير وشيكة، رغم معرفته المسبقة بخطط العملية وتبنيه لها لاحقاً بعد تنفيذها بنجاح. هذا السلوك، وفق التحليل، يأتي في إطار سياسة الغموض الخادع التي اعتمدتها الولايات المتحدة مراراً في ملفات الشرق الأوسط.

أما من ناحية التوقيت، فقد جاءت الضربة في لحظة دقيقة كانت فيها إيران تُعدّ لمؤتمر نيويورك المقرر عقده في 17 من الشهر الجاري، والذي كان من المنتظر أن يشهد طرحاً جديداً لحل الدولتين بقيادة فرنسية وسعودية. كما جاءت في خضمّ ضغوط متزايدة على الحكومة الإسرائيلية لوقف حرب غزة، وتزامنت مع فرض عقوبات أوروبية على وزراء متطرفين في حكومة نتنياهو.

الملف النووي في قلب العاصفة

ولا يمكن فهم طبيعة الضربة الإسرائيلية دون العودة إلى التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي أشار إلى استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بوتيرة مقلقة، ما أثار قلق الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من احتمال اقتراب طهران من تصنيع سلاح نووي. الضربة الإسرائيلية، بهذا المعنى، تُقرأ على أنها جزء من استراتيجية وقائية ترمي إلى تدمير البنية التحتية للمشروع النووي الإيراني قبل أن يبلغ مرحلة اللاعودة.

خيارات الرد الإيراني: حسابات بالغة التعقيد

وفقاً لتحليل كليب، تجد إيران نفسها اليوم أمام خيارين أحلاهما مرّ: فإما أن تردّ بقوة وبشكل نوعي يعيد لها بعض التوازن، مع ما يحمله ذلك من خطر توسّع المواجهة لتشمل أطرافاً إقليمية ودولية؛ أو أن تلتزم ضبط النفس، فتُتهم بالضعف، وهو ما سيضع النظام في موقف داخلي حرج ويزيد من الضغط الشعبي والسياسي عليه، شبيهاً بما جرى في سوريا خلال مراحل الانهيار الأولى.

وإذا ما قررت إيران الرد، فإن التقديرات تشير إلى احتمال دخول أطراف محسوبة عليها في المواجهة، وفي مقدمتها حزب الله، وبعض الفصائل العراقية، والحوثيون. لكنّ مثل هذا التصعيد، بحسب كليب، سيكون بمثابة مقامرة وجودية قد تفتح الباب أمام تدخل عسكري مباشر من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ما يعني دماراً واسع النطاق واستهدافاً مباشراً لقيادات الصف الأول في طهران.

إسرائيل: نحو تدمير كامل للمشروع النووي

القراءة الإسرائيلية للمشهد لا تبدو أقل وضوحاً، فبحسب التوجهات المعلنة والممارسات الميدانية، فإن تل أبيب عازمة على المضي في ضرب أهداف إيرانية حتى تحقق هدفها الاستراتيجي الأكبر: القضاء التام على القدرات النووية الإيرانية، مهما كلف ذلك من أثمان.

نهاية محتملة لنتنياهو والنظام الإيراني معاً؟

ومن المفارقات المثيرة في تحليل كليب أن هذه الحرب قد تكون، في آنٍ واحد، بداية النهاية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وكذلك لنهاية الحياة السياسية لبنيامين نتنياهو. فالأول يجد نفسه في موقف دفاعي غير مسبوق منذ الثورة، والثاني بات عبئاً سياسياً على الغرب، رغم محاولاته توظيف التصعيد لتمديد بقائه في السلطة.

لكن السيناريو الأكثر خطورة، وفق كليب، يتمثل في أن يتمكن نتنياهو من البقاء، وأن ينجح التيار المتطرف الإسرائيلي في فرض وقائع جديدة على الأرض، تقضي عملياً على ما تبقّى من حلم الدولة الفلسطينية، وتعزز منطق فرض الحلول بالقوة في المنطقة.

خاتمة

أمام هذا المشهد المتشابك، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة. فالحرب التي اندلعت فجأة، بعد سنوات من الاستعدادات والتجهيزات والخطابات، تختلف في نمطها وأهدافها ومخاطرها عن سابقاتها. لكن الثابت، وفق أغلب التحليلات، أن الجولة الأولى من الصراع انتهت بخسارة كبرى لإيران، على المستوى العسكري والنفسي. والسؤال الذي يبقى مطروحاً بإلحاح: هل تملك طهران مفاجأة قادرة على تغيير قواعد اللعبة؟ أم أن ما جرى يمثل بداية نهاية مرحلة كاملة من النفوذ الإيراني في الإقليم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى