بوزنيقة: حزب فيدرالية اليسار ينظم ندوة في موضوع “الفساد وتأثيره على التنمية المستدامة”

أحمد رباص
انطلقت فعاليات الندوة التي نظمها فرع فيدرالية اليسار الديمقراطي ببوزنيقة تحت عنوان “الفساد وتأثيره على التنمية المستدامة” على الساعة السادسة من مساء يوم أمس الجمعة ثالث عشر يونيو الجاري بدار الشباب الوحيدة بالمدينة.
شارك في هذه الندوة الأستاذ محمد مشكور نيابة عن محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، الذي تعذر عليه الحضور لسبب من الاسباب، إلى جانب الدكتور عز الدين أقصبي.
افتتح الندوة مسيرها محمد نزيه بكلمة رحب في بدايتها بالحاضرين، موجها إليهم “تحية طيبة لا حدود لعمقها”. ثم لفت انتباه الحضور إلى أن تنظيم هذه الندوة جاء انسجاما مع مبادئ الحزب الثابتة والتي يأتي على رأسها الدفاع عن كل الشعوب التي تتعرض للاضطهاد والإبادة الجماعية. هذه الإشارة تطلبت منه دعوة جمهور الندوة إلى الوقوف دقيقة صمت ترحما على شهداء الشعب الفلسطيني وكل حركات التحرر في العالم بأسره.
بعد ذلك، قدم محمد نزيه في عجالة مؤطري الندوة، مشيرا إلى أن الجمعية المغربية لحماية المال العام أزعجت الحكومة المغربية بفضحها لجميع ملفات نهب المال العام على المستوى الوطني، ما جعل وزير العدل يسارع إلى العمل على حرمان مؤسسات المجتمع المدني من حقها في التبليغ عن قضايا اختلاس وتبديد المال العام.
في إشارة إلى الوضع المحلي لبوزنيقة، أكد نزيه على أن المدينة، رغم تعدد نظمها الإيكولوجية وموقعها الجغرافي المتميز، لم تظهر عليها بوادر التنمية لأن الذين تعاقبوا على تدبير شأنها العام لم تهمهم سوى مصلحتهم الخاصة، ممتطين صهوة الريع ومستغلين الموارد الطبيعية لحسابهم الخاص، فتم اجتثات الغابات وعم الفساد أمام صمت السلطات الإقليمية والمحلية.
عند متم كلمته، أعطى مسير الندوة الكلمة لرضوان أعراب، كاتب الفرع المحلي للحزب، الذي أخبر الحضور بتوارد طلبات عدة فعاليات للمشاركة في هذه الندوة ذات الطابع المحلي، بينما يحتاج إقليم بنسليمان وحده لندوة من هذا القبيل.
في محاولة لتقديم تعريف مقنع للفساد، ركز المتحدث على جانبه السياسي الذي يدل على سوء استخدام السلطة من أجل تحقيق المنفعة الخاصة، بدل المصلحة العامة. من هذا المنطلق، عاد أعراب إلى سنة 1977 تاريخ تأسيس إقليم بنسليمان، متسائلا عما إذا كان التقسيم الإداري الذي خضع له آنذاك قام على تلبية حاجته إلى التنمية المستدامة.
في هذا السياق، ذكر المتحدث بما كان لوزير الداخلية الأسبق، إدريس البصري، من مصالح ذاتية في الإقليم؛ لهذا قام بإلحاقه بسطات وأهدى ساحله البحري لأشخاص من ذوي النفوذ؛ الشيء الذي حرم المنطقة من فرص التنمية، إذ لو كانت بوزنيقة تابعة للرباط وبنسىيمان المحمدية لوجدت عدة مشاكل طريقها إلى الحل.
من ذلك، خلص أعراب إلى أن القرار السياسي إذا لم يكن مبنيا على حاجيات المدينة يكون في حد ذاته فسادا، متحججا بتزوير انتخابات 1993 التي نجح المرحوم أحمد الزايدي في إلغاء نتائجها بناء على ما كان بحوزته من حجج دالة على وقوع جريمة التزوير. وأشار أعراب إلى أننا أصبحنا أمام أمثال البصري في كل جماعة من جماعات إقليم بنسليمان الذي أعيدت فيه الانتخابات التشريعية سبع مرات متتاليات ما يؤشر بقوة على حجم الفساد وضراوة الصراع بين الفاسدين والمفسدين.
ولم يغفل أعراب التعبير عن ملاحظة مفادها أن الحزب القوي في مدن الإقليم هو حزب العقار، فأينما وليت وجهك لن تجد سوى العقار في غياب فكرة المشروع التنموي، ما جعل مدينة بوزنيقة غير ذات هوية تعرف بها، فلاهي لا مدينة سياحية ولا صناعية ولا هم يحزنون. كما وقف المتحدث عند توقف خدمات النظافة بالمدينة بسبب تداعيات تلاعب الرئيس المخلوع بصفقات تفويض قطاع النظافة التي فاقت تكلفتها ما تؤديه جماعات مدن أكبر حجما وأكثر سكانا من بوزنيقة.
عندما تناول الأستاذ محمد مشكور، ممثل الجمعية المغربية لحماية المال، الكلمة أبدى حرصه على تقديم التصميم الذي انبنت عليه مداخلته. وهكذا تعهد بأنه سيتحدث أولا عن الفساد وتعريفه، ثم عن صوره وأسبابه وتأثيراته، ليشير بعد ذلك إلى المستجدات التي جاء بها دستور 2011 في هذا الشأن، ولينهي مداخلته بوقفة يرصد فيها أحوال الواقع الراهن كما تظهر للعيان.
وفاء لتصميمه، أتى ممثل جمعية محمد الغلوسي على ذكر التعريف الذي وضعته منظمة الشفافية الدولية لمفهوم الفساد الذي يعني بالأساس سوء استخدام السلطة بمختلف مستوياتها. ومن صوره، ذكر الاختلاس، الغدر، واستغلال النفوذ، داعيا مستمعيه إلى الرجوع إلى تعريف الفساد الوارد في مجموعة القانون الجنائي.
ومن بين أسباب الفساد، ركز المتحدث على الإفلات من العقاب وغياب القدوة في المجتمع، وضعف أجهزة الرقابة وتراخي السلطتين: التشريعية والقضائية.
وصولا إلى تأثيرات الفساد، تحدث ممثل الجمعية عن غياب الاستثمار وهجرة الادمغة والرأسمال المحلي، مستشهدا بقولة لابن خلدون التي نص فيها على أن الفساد يسرع لخراب الدولة.
وبخصوص الرهانات والتطلعات التي أوحى بها دستور 2011، قال المتحدث إنها غذت الأمل في إقبال المغرب على إنجاز القطيعة مع الفساد. والداعي على الاستفسار بالدستور الأخير خيرا، في نظر المتحدث، هو ورود مصطلح الحكامة فيه لأول مرة، والتنصيص على إحداث مؤسساتها وربط المسؤولية بالمحاسبة والفصل بين السلط وخلق التوازن بينها، والتوصية بإنشاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والقضاء على تضارب المصالح، وتحويل البرلمان صلاحية تقييم السياسات العمومية، إلخ…
أما الواقع الراهن فإنه يتسم بنزوع الحكومة، ممثلة في وزير العدل، إلى منع الجمعيات المهتمة بصيانة المال العام من الفساد من التبليغ عن المتهمين به عن طريق إقحام المادتين الثالثة والسابعة في مسطرة القانون الجنائي، في تناقض صارخ مع إلزام المواطنين قانونيا بالتبليغ عن الجرائم أيا كانت طبيعتها. والأخطر في الأمر، كما يلاحظ صاحب المداخلة، هو أنه حيل بين رئيس النيابة العامة وتحريك المتابعة في حق المختلسين والمبددين للمال العام، إذا كانت الجمعية المختصة هي من تقدمت بالشكابة. وما يدل على غياب رغبة جادة وإرادة سياسية لمحاربة الفساد لدى الحكومة هو سحب مشروع قانون يعاقب الإثراء غير المشروع، وكأنها طبعت مع الفساد ونفضت يديها من القضية.
في بداية مداخلته، اعتبر الدكتور عز الدين أقصبي أن موضوع الفساد حساس جدا بالنسبة إلى المغرب، محاولا تقاسم أفكار ترسخت لديه خلال مدة اشتغاله على هذه الآفة التي دامت 27 سنة بصفته مسؤولا في الجمعية الدولية للشفافية.
وواصل عز الدين أقصبي حديثه بالوقوف على علاقة الفساد بالتنمية وتأثيره على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، ليستنتح أن محاربة الفساد تقتضي إحداث تكتل كبير لمواجهة النظام السياسي والضغط عليه حتى يخرج من دائرة الفساد.