اخبار دولية

توازن الرعب الجديد: الشرق الأوسط بين التحولات العميقة وإعادة تشكيل النفوذ.

 مدخل عام: عالم متغير وتوازنات جديدة

منذ عقود، ظل الشرق الأوسط برميل بارود قابلاً للانفجار في أي لحظة. لكن على خلاف السيناريوهات التقليدية، لم تأت الانفجارات الكبرى دفعة واحدة، بل جاءت على شكل تحولات متراكمة، أعادت رسم الخرائط السياسية والعسكرية في   المنطقة. فهل نحن أمام معادلة جديدة في توازن القوى؟ أم أن اللاعبين الكبار لا يزالون يتحكمون بخيوط اللعبة؟

▪︎ عودة العلاقات السعودية – الإيرانية: البراغماتية قبل الأيديولوجيا

كانت العداوة بين الرياض وطهران حجر الزاوية في استراتيجيات المنطقة لعقود طويلة، لكنها اليوم تحولت إلى شراكة حذرة. الاتفاق الذي وُقّع برعاية الصين في مارس 2023 لم يكن مجرد تصالح دبلوماسي، بل إعادة رسم لحدود الصراع في المنطقة. إيران، التي نجحت في كسر الحصار الاقتصادي عبر التحالف مع الصين وروسيا، أدركت أن المواجهة المفتوحة لم تعد خيارًا مربحًا، فيما رأت السعودية أن الاستقرار السياسي والاقتصادي أولوية أمام تحديات الطاقة والتكنولوجيا الجديدة.

لكن السؤال الأهم: هل يعني هذا نهاية التوترات؟ بالطبع لا. فبينما تهدأ جبهات الصراع العلني، يستمر التنافس الخفي على النفوذ، خاصة في اليمن وسوريا ولبنان.

▪︎ سقوط نظام الأسد وسوريا الجديدة: مرحلة ما بعد الحرب

كانت سوريا لسنوات طويلة ساحة لحرب إقليمية بالوكالة، لكن مع سقوط نظام بشار الأسد، دخلت البلاد مرحلة جديدة. القوى الدولية، التي استخدمت الصراع السوري كورقة تفاوض، بدأت الآن في التفكير في مستقبل دمشق ما بعد الأسد. روسيا، التي كانت الحليف الأبرز للنظام، تبحث عن صيغة تحافظ بها على نفوذها دون الغرق في مستنقع حرب جديدة، بينما تحاول تركيا إعادة تموضعها بين ضمان مصالحها في الشمال السوري ومنع تدفق اللاجئين.

أما إيران، التي استثمرت مليارات الدولارات في دعم الأسد، فتواجه مأزقًا حقيقيًا في كيفية الحفاظ على مصالحها في بلد يتغير بسرعة. سوريا الجديدة قد لا تكون ساحة نفوذ مطلقة لأي طرف، بل ستكون ساحة لتوازنات دولية دقيقة.

▪︎ الحرب على الحوثيين: اليمن يدخل مرحلة الحسم

بعد سنوات من حرب استنزاف طويلة، يبدو أن المواجهة في اليمن دخلت مرحلة جديدة. التحالف العربي بقيادة السعودية صعّد من عملياته العسكرية ضد الحوثيين، مدعومًا بدعم أمريكي وإسرائيلي متزايد، فيما تواجه الجماعة المدعومة من إيران ضغوطًا غير مسبوقة، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي.

لكن السؤال الأكبر هنا: هل يمكن القضاء نهائيًا على الحوثيين؟ أم أن المشهد اليمني سيبقى كما هو، مع تكيّف الجماعة مع الظروف الجديدة؟ كل السيناريوهات ممكنة، لكن الواضح أن اليمن بات أكثر ارتباطًا بالصراعات الإقليمية الكبرى، خاصة مع ازدياد التوتر الأمريكي – الإيراني في المنطقة.

▪︎ الحرب على حزب الله وحماس: كسر أذرع إيران العسكرية

التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله في لبنان وحماس في غزة لم يكن مجرد ردود فعل عسكرية، بل جزءًا من استراتيجية أوسع لكسر أذرع إيران العسكرية في المنطقة. اغتيال قيادات كبرى في حزب الله، والقصف المستمر على غزة، والاستهداف المتزايد للحوثيين، يشير إلى أن هناك قرارًا إقليميًا ودوليًا بتقليم أظافر النفوذ الإيراني.

لكن هل ستنجح هذه الاستراتيجية؟ تجارب السنوات الماضية أثبتت أن القضاء على هذه الجماعات ليس بالأمر السهل، وأن الصراع معها يتجاوز مجرد المواجهات العسكرية، ليشمل الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

▪︎ صعود ترامب من جديد: هل يعيد تشكيل الشرق الأوسط؟

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يعود شبح السياسات الأمريكية المتقلبة إلى الشرق الأوسط. ترامب، المعروف بمواقفه المتشددة ضد إيران، قد يعيد تفعيل استراتيجية الضغط الأقصى، مما قد يؤدي إلى تصعيد جديد في المنطقة.

أما على مستوى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فمن المتوقع أن يمنح ترامب إسرائيل مزيدًا من الحرية في توسيع عملياتها العسكرية والسياسية، خاصة في ظل الدعم اللامحدود الذي يقدمه الجمهوريون لتل أبيب. لكن، في الوقت نفسه، فإن عودة ترامب تعني أيضًا تراجعًا للدور الأمريكي في سوريا واليمن، مما قد يترك فراغًا تحاول روسيا والصين ملأه.

▪︎ الحرب الروسية – الأوكرانية: تداعياتها على الشرق الأوسط

بينما تدخل الحرب الروسية – الأوكرانية مرحلة المفاوضات، يتساءل الكثيرون عن تأثير ذلك على الشرق الأوسط. التوجه الأمريكي الحالي نحو تهدئة الحرب قد يعني تقليص الدعم العسكري لكييف، مما يمنح موسكو مساحة أكبر لإعادة ترتيب أوراقها.

في المقابل، الدول العربية التي استفادت من ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب قد تجد نفسها أمام واقع جديد مع احتمالية عودة أسعار النفط إلى مستوياتها الطبيعية، مما سيؤثر على خططها الاقتصادية.

▪︎ إعادة إعمار غزة: اختبار للجهود الدولية

في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، برزت مبادرة مصرية لإعادة إعمار القطاع، بتنسيق مع الدول العربية والمجتمع الدولي. الخطة، التي تتضمن استثمارات ضخمة في البنية التحتية والإسكان، تهدف إلى منع أي محاولات لتهجير السكان الفلسطينيين، وهو ما تسعى إليه إسرائيل من خلال تكثيف ضرباتها العسكرية.

لكن يبقى السؤال: هل ستنجح هذه الجهود في إعادة إعمار غزة دون وقوعها في قبضة إسرائيل أو الفصائل المسلحة؟ أم أن القطاع سيبقى رهينة للعبة السياسية التي تتحكم فيها واشنطن وتل أبيب؟

▪︎ خاتمة: الشرق الأوسط بين التوازنات الجديدة والمفاجآت القادمة

وسط كل هذه التحولات، يبقى الشرق الأوسط ساحة مفتوحة على كل السيناريوهات. فالتوازنات الحالية ليست نهائية، والمفاجآت القادمة قد تعيد تشكيل المشهد بالكامل. لكن المؤكد أن هذه المنطقة لن تعود كما كانت قبل 7 أكتوبر 2023، وأن اللاعبين الإقليميين والدوليين باتوا أكثر وعيًا بأن لعبة النفوذ في الشرق الأوسط لا تُحسم بالسلاح وحده، بل بالقدرة على إدارة الصراعات بحكمة ودهاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى