منير الطاهري
إسرائيل ليست دولة طبيعية، بل مشروع عنصري، إرهابي، لا أخلاقي، أثبتت حربها على غزة وجنوب لبنان أنها تتغذى على دماء الأبرياء، وأن بقاءها مرهون بالدمار لا بالشرعية، وبالقتل لا بالتعايش.
لقد انهار وهم “الجيش الذي لا يقهر”، وتلاشت صورة “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق”، لتحل مكانها صورة دولة مفلسة أخلاقيا، تنشر الموت، وتستجدي بقاءها من خلال فوضى إقليمية لا تنتهي.
هل تغير إيران المعادلات… لإعادة رسم الحدود لهذا الكائن الهجين:
إيران اليوم لا ترد فحسب، بل تبني معادلة ردع شاملة:
لم يعد التهديد الإيراني تكتيكا، بل جزءً من مشروع استراتيجي لكسر احتكار القوة الصهيوني، بدعم محور مقاومة أثبت تماسكه وفاعليته على الأرض مقابل ترنح إسرائيلي فقد هيبته الجوية والدفاعية، ولم يعد قادرا على احتواء الجبهات.
إسرائيل ولدت كـكيان وظيفي، مزروع عنوة في قلب المشرق العربي، لحساب مشاريع استعمارية لم تعد تقنع حتى أصحابها.
زرعها وعد بلفور، ورعاها الغرب كمستودع للمطرودين من حضارته، تحت شعار سخيف: “شعب بلا أرض لأرض بلا شعب”.
لكن الواقع التاريخي الثقافي، والجغرافي، والديمغرافي للشرق الأوسط مازال قائما: الفرس، الكنعانيون، وشعوب الهلال الخصيب تاريخ حي أصيل لا يقبل التشويه ولو أنه لا يرفض الغريب بين ظهرانيه.
إسرائيل ككيان مصطنع يرتدي جلودا دينية ورأسمالية وعسكرية مستعارة يقف اليوم عاجزا أمام حقيقته على هذه الأرض وكأنما تم الترخيص من طرف محتالين صناديد، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ببناء تجزئة سكنية في منطقة معرضة للسيول والفيضانات.
وبالفعل تم الشروع في ترحيل اليهود من كل بقاع العالم، دون أن يدركوا أنهم سيكونون في يوم من الأيام أمام مشروع لإعادة بناء شرق أوسط جديد يحلم به ترامب ونتنياهو وغيرهم من المقامرين أمام طوفان الشعوب الأصلية.
بعد كل ما حصل، يمكن للعالم أن يدخن سيجارة تأمل أمام ما يحدث، سيجارة استغراب واندهاش أمام “الأسد الصاعد” أو الأسد المخمور الذي يبشر به نتنياهو على هذه الأرض.
أي شرق أوسط هذا الذي يبنى على أنقاض غزة، وعلى جماجم الأطفال والأمهات والشيوخ في الجنوب اللبناني والذي يستجدي حربا عالمية ثالثة بدعم ومغامرة أمريكية ضد الحضارات الأصلية…
نتنياهو لم يعد يقدّم رؤية، بل يسكر بهلوسة القوة، غارقا في مشهد دموي، ظن أنه سيمنحه المجد، فإذا به يقوده إلى العزلة والانهيار.
القادم أخطر يا نتنياهو… والملاجئ والمستشفيات لم تعد كافية.
والجبهات مشتعلة من الجنوب اللبناني ومن غلاف غزة، وقريبا من معابر الأردن وسيناء، ومن داخل الأرض المحتلة نفسها، أو ربما من هجوم مظلي قريب قد يتوج النصر ويجمع بين مختلف الجبهات.