اقتصاد

تفاقم أزمة الجفاف في المغرب العربي: تهديدات مناخية واستجابات متفاوتة

عزيز الحنبلي -تنوير

تشهد دول المغرب العربي، تصاعدًا في المخاوف من أزمة الجفاف في ظل استفحال التغيرات المناخية وما تفرزه من تداعيات بيئية واقتصادية واجتماعية خطيرة. ويأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد النقاش العالمي حول التزامات الدول الغنية في تمويل جهود التكيف المناخي في الدول النامية.

وتتصدر منطقة المغرب العربي قائمة المناطق الأكثر تضررًا من شح المياه واستمرار فترات الجفاف وازدياد وتيرتها. ففي الجزائر، بات موسم الزرع مهددًا بسبب الندرة الحادة في التساقطات المطرية، ما دفع الحكومة إلى توسيع اعتمادها على محطات تحلية مياه البحر كحل بديل لتأمين الموارد المائية.

وفي تونس، دخلت البلاد مرحلة الفقر المائي منذ سنوات، حيث لا يتعدى متوسط حصة الفرد من المياه 400 متر مكعب سنويًا، وهو أقل من نصف المعدلات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية. وتشير التوقعات إلى أن هذا المعدل مرشح للتراجع إلى 350 مترًا مكعبًا. كما يعاني الإنتاج الزراعي المحلي من آثار الجفاف، ما دفع السلطات إلى الاعتماد بشكل متزايد على استيراد الحبوب من الخارج، خاصة من روسيا وأوكرانيا.

أما في المغرب، فقد سجّل العام السابع على التوالي من نقص حاد في التساقطات بنسبة بلغت 53% مقارنة بمتوسط الثلاثين سنة الماضية. وأسفر الجفاف عن فقدان حوالي 294 ألف منصب شغل في القطاع الفلاحي ما بين عامي 2023 و2024، ما ساهم في ارتفاع معدل البطالة إلى 13.3%. وقد تراجعت القدرة الإنتاجية للأراضي المطرية بنسبة 38%، بينما انخفضت المساحة المزروعة بنسبة 31% خلال ثلاث سنوات، مما اضطر المملكة إلى استيراد 9 ملايين طن من الحبوب سنويًا، بتكلفة تناهز 3 مليارات دولار.

وتشير تقارير صادرة عن البنك الدولي إلى أن مشكل ندرة المياه يشكل تهديدًا حقيقيًا مشتركًا لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متوقعة أن تخسر اقتصادات بلدان مثل لبنان والأردن والعراق بين 1.1% و6.6% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول منتصف القرن الجاري.

ورغم هذا الوضع المقلق، فإن الاستجابات الرسمية ما تزال متفاوتة بين دول المنطقة. ففي المغرب، تم تعميم تقنيات الري الموضعي التي أصبحت تغطي 53% من المساحات المروية، بالإضافة إلى تحلية مياه البحر لتوفير 1.7 مليار متر مكعب سنويًا، وإطلاق برنامج الري التكميلي الخاص بزراعة الحبوب. أما في تونس، فلا تزال البلاد تفتقر إلى استراتيجية وطنية واضحة لمواجهة تداعيات الجفاف.

وفي سياق دعم جهود التكيف الإقليمي، استثمر البنك الدولي ما مجموعه 800 مليون دولار في تمويل مشاريع مائية وزراعية مستدامة في كل من المغرب والأردن ولبنان، مع التركيز على تحسين حوكمة المياه، وتعزيز الأمن الغذائي، وتوسيع استخدام الطاقة المتجددة.

ورغم جسامة التحديات، يرى البنك الدولي أن أزمة المياه الحالية تشكل أيضًا فرصة لتحفيز مسارات التنمية المستدامة، من خلال رفع مناعة المجتمعات في مواجهة التغير المناخي، وخفض الانبعاثات، وتعزيز النمو الاقتصادي الأخضر في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى