ثقافة و فن

محمد الشوبي.. ملحمة الليل والنهار وما بينهما!

بقلم: حــــســــن نــــرايـــس

مسكونا برغبة الإنتماء إلى هذا الوطن كان ينظر بعمق الإحساس إلى هذه الحياة الفانية. هو من مواليد برج القوس بالمدينة الحمراء.
وأسخف ما تحمل هي الأبراج.. كان يقول: أنا من برج الثقافة والإبداع والنضال.. رسم طريقه بتواضع وتفاؤل وطموح.
كفنان إنسان، كان ينتمي إلى أحلامه وطموحاته بعيدا عن خشية الأوهام الزائفة والإدعاءات الأكثر زيفا وتزييفا.
لسان حاله يقول: “أنا هو محمد الشوبي.. أنا مشروع “ضخم” ما أحوجه إلى مستثمرين كبار يعشقون الفن والحياة.. بين اليوم والأمس”. كان الصوت، وكانت الصورة..
رجل لم يكن يضبط إيقاعات الحياة فالحياة موشومة بالحفر والمنعرجات. ثقافة واسعة. اهتمام بالأداب والفنون وقضايا الشأن العام. إنه لم يكن يخشى الأحلام المملوءة بالسكاكين، ولم يكن يتفادى كلمة “إلتزام” فهي جزء من ذاته، من كينونته، من مساره الفني ومن مسيرته في دروب الحياة. ومابدل تبديلا.. كان النضال جزء من حياته اليومية، ترك بصماته على الجسد والعقل والأعصاب والباقي- عرفته صاحب النفس الأمارة بالخير والإخاء والمحبة – عرفته يتحسس أوجاع وهموم البسطاء ومعاناة الشرفاء. مواجهة الدخلاء.
حياة مددتها خطوات، الألم والأمل – والأفراح والأحزان ـ فالزمن بالنسبة لصديقنا، يخترق بالزمان، وسط وفوق المكان ـ بين البركان والبرهان.
والحياة ليست سوى عواصف تلو الأخرى، نواجهها بالإلتزام والثقافة والأدب والفن والإبداع..وانتهى الكلام، وعلى الدنيا السلام. كم كان معاتبا للمسؤولين عن النفوس المشحونة. وأصحاب الحقوق المهضومة، كانت الجلسة معه متعة ومؤانسة وأيضا نرفزة حين يضيق البحر بالأسماك في أجواء تلتهب فيها النجوم، وتتساقط الشهب ويغيب القمر..
لا..، فهو لم يكن جديرا ببلاد يكون المرور إليها جواز سفر ـ فهو كان جديرا ببلاد جوازاتها أن تحب الفن والقمر…! على حد تعبير الشاعر عبد الله راجع.
حول عزيزنا الشوبي الهامش، بفضل الكفاءة الموسومة بالإرادة والطموح والصبر والتحدي، حوله، قلت، إلى مركز للإشعاع، وأحيانا بالتضحية ونكران الذات.
هو كما هو، لو لم يكن فنانا مثقفا، لكان فنانا مثقفا، بل كان فنانا مناضلا يدير ظهره للكذب والادعاء والبهتان هو لوحة زيتية بالألوان ـ وكفى من النفاق و العصيان !.
من شيمه السخاء والكرم والعطاء كلما استطاع إلى ذلك سبيلا.
والشوبي، نهر يتدفق في أعماقه وطن بأكمله، من حدود الروح إلى حدود القلب، تأخده الأقلام إلى ما يريد المنطق والعقل ولا تغويه الوعود الكاذبة التي لا تتحقق فوق الأرض. يحب الكاميرا، وتحبه الخشبة. يعشق الكتاب نثرا وشعرا ويبادله نفس الشعور والأحاسيس.
كان محمد يحمل دائما طفولته المرتسمة على الشفتين باليقين. ولا يهمه رياض المعطي ولا الدار الكبيرة ولا ثمن الرحيل ـ هكذا كان يحتمل الفن نعيما وعذابا .
قد يقضي صاحبنا ألف شهر دون أن يقترف عملا في عالم الفوضى والفوضويين والمتطفلين ـ والإنتهازيين بشعار البيت الشعري القاتل:
لا خير في ود امرئ متملق –إذا الريح مالت، مال حيث تميل.
وحين يعود إلى المسرح بعد غياب طويل او كاد يطول. حتى الفساتين التي كان قد أهملها – ترقص لعودته- كرقصته في مسرحية “النشية” الحسنة العرض.
بالنسبة لسي محمد لا يهم شكل الكأس إذا كانت النشوة تحرك القلب والفكر والوجدان. كانت دائما تحدوه رغبة عميقة في أن يطفو حديثه فوق السطح، وتحت شجرة الزاوية ليفكر في ما يقول، ويقول ما يفكر فيه، وكفى المؤمنين شر القتال ـ إنه الوديع، البهي، المستقيم، البعيد عن حروف العلة. إنه الرجل الذي كان يجر الخطوات مسرعا لتحصين الذات باستقلالية المثقف أثناء الذهاب إلى جوهره.
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله — وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم، وكيف ينام؟
كيف ينام على جفونه.. والآخرون يتعذبون ـ والمجرمون كثيرون، والمتطفلون عديدون، والمدعون حاضرون- واللصوص متهافتون، والمحرومون كئيبون- والقاصرات مغتصبات- والمبدعات مهمشات – وهلم قلقا وأحزانا وأحلاما بين محمد والشوبي .
نم قرير العين الآن يا صديقي! ولك انت العزيزة أم البنين –
أحر التعازي وأصدق المواساة، فعزيزنا يا عزيزة لم يمت، وإنما رحل رحلة الشتاء والصيف، بين ملحمة الليل والنهار وما بينهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى