وجهة نظر

 لماذا لا تقتدي إيران بأحمد الشرع واردوغان وتميم وطالبان؟-مصطفى الحسناوي

   أستغرب ممن يفرح من الإسلاميين، باستهداف إيران، ويريد لإيران أن تنمحي من خريطة المنطقة.
العمى العقدي والأيديولوجي، والغباء السياسي والاستراتيجي، يدفع هؤلاء، لتمني واقع آخر، تكون فيه السيطرة المطلقة على المنطقة، بيد إصرائيل وحدها، تعيد رسم الخرائط وتوزيع الأدوار.
لم يستوعبوا أن الصغار يجدون فرجات وفجوات وملاذات، عندما يتصارع الكبار، ولكن إذا سيطرت قوة واحدة، ولم يكن هناك من ينافسها، فإنها ستبتلع المنطقة كلها، وهذا ما يبدو أن إصرائيل سائرة فيه، فمنذ بداية الحرب ونطنياهو يعلن أنه سيعيد رسم خريطة الشرق الاوسط، وهو ناجح في مساعيه لحد الساعة.
الفرحون بزوال إيران فقط لأنها شيعية، وإخلاء الجو لإصرائيل، لم يستوعبوا بعد أن المصالح والسياسة، لا تدار بهذه النظرة العقدية البليدة.
لكن أستغرب أكثر، ممن لايزال يكرر أن ما يحدث بين إيران وأمريكا وإصرائيل، مجرد مسرحية وتوزيع أدوار.
فرغم التكلفة الباهظة التي قدمتها إيران، عشرات الاغتيالات لقياداتها، مئات القتلى، آلاف الضربات، ومع ذلك هي مسرحية.
لكن المسرحية الحقيقية لقطر وتركيا مع إيران، لايتحدثون عنها، الاتفاق السري والعلني، والتنسيق الأمني، الإسرائيلي السوري، يعتبرونه حنكة ومصلحة وبعد نظر، والدماء التي تقدمها إيران مجرد مسرحية.
في الحقيقة لقد أظهر أحمد الشرع، حنكة كبيرة، ودهاء وبراغماتية غير متوقعة، في الحفاظ على حكمه، بل وربما حكم أبنائه وأحفاده، بالطريقة التي انتهجها.
ولو كانت إيران تفهم جيدا، لاستفادت منه، عوض شعارات الدفاع عن الأمة والمقدسات والقدس… التي جلبت لها الدمار، ولم يتعاطف معها أحد من أهل السنة، بل يتمنون دمارها وزوالها.
بالمقابل أحمد الشرع، يبررون كل خطواته ويرونها عين العقل والحكمة.
ما يحدث لإيران هو نتيجة تمسكها بمبادئها، بغض النظر هل نتفق أو نختلف مع تلك المبادىء.
إيران لم تتعامل ببراغمانية وانتهازية، كما هي سياسة الشرع (الذي يشتغل بشعار المزة قبل غزة، حتى وإن لم يرفعه) والتي ليست بالضرورة هي سياسة خاطئة، بل ربما هي السياسة الصحيحة، لضمان حكمه، وحماية شعبه، وهكذا يتعامل السياسي المحنك الناجح، بعيدا عن الشعارات والمثاليات، التي لايعترف لك بها حتى أقرب المقربين.
طالبان نأت بنفسها وانشغلت بمشروعها (واشتغلت بشعار غزنة قبل غزة، وإن لم ترفعه) أردوغان (غازي عنتاب قبل غزة) تميم (موزة قبل غزة)…
لكن الذين أرادوا لعب دور البطولة، لكي ينالوا إعجاب وتصفيقات الشعوب الإسلامية، تمت تصفيتهم وتصفية مشاريعهم (حزب الله، الأسد، الحوثي وإيران في الطريق).
لذلك أنا لا أفهم لماذا إيران تتقدم نحو المحرقة، وأمامها كل هذه التجارب؟ (الناجحة والفاشلة)
لماذا لاتعقد صفقة كما فعل أحمد الشرع، وتتفق مع أمريكا وإسرائيل، كما اتفق أحمد الشرع، وتهتم بالحفاظ على حكمها كما يهتم أحمد الشرع، وتحافظ على شعبها وأمنها.
لماذا تجعل من نفسها قوة مضادة ومنافسة، فيستفيد خصومها وأعداؤها في المنطقة، من تصارع القوى هذا، في حين بإمكانها أن تعقد صفقة تنسحب بموجبها من هذا التنافس، وتترك أهل السنة وحيدين أمام المشروع الأمريكي الإصرائيلي؟
المسلمون السنة في جميع الأحوال، يعتبرونها دولة مشركة، يعتبرونها عدو، يعتبرونها متآمرة ومتواطئة، يعتبرونها تقوم بمسرحيات…
أليس من الحنكة وبعد النظر، أن تتخلى عن شعارات المقاومة والممانعة ودعم الجهاد… وهي شعارات لم تجلب لها إلا الدمار، كما أنها لم تجلب لها أي تعاطف سني، بل أغلب السنة يريدون هلاكها، ويفضلون إسرائيل عليها؟
أليس من الحنكة أن تسارع لعقد اتفاقات وتهتم بالبناء الداخلي، وتكون في علاقات طبيعية مع الجميع، وتقتدي بالنماذج السنية، كنموذج الشرع وتميم وأردوغان وطالبان، وكفى الله المومنين شر القتال؟
كلامي بطبيعة الحال ليس موجها لها، بل للإسلاميين سواء منهم الفرحون بزوالها، أو أولئك الذين يعتبرون ما تقوم به مجرد مسرحية متفق عليها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى