ما الذي يختبئ وراء سيرورة الحرب بين “إسرائيل” و إيران – صلاح الرواضي

الفرز السياسي أصبح واضحا في المشرق . والحرب بين إيران والكيان الصهيوني أصبحت حربا وجودية . فلا الكيان يقبل بإيران قوية ونووية، لأن ذلك يشكل عليه خطرا إستراتيجيا مدمرا .ولا إيران تقبل من جانبها التخلى عن برنامجها السياسي والعسكري لتصبح من التوابع.
إسرائيل لم يعد يقنعها التشطيب على البرنامج النووي الإيراني .بل أعلن زعماؤها أن هدفهم العام هو إسقاط النظام السياسي في طهران ؛ لأنه – حسبهم – نظام لا يؤتمن . ذلك النظام الذي رسخ جذوره في الدولة والمجتمع منذ الثورة الخمينية في سنة 1979 ..
نقطة قوة إسرائيل لا تكمن في ذاتها فحسب، بل تكمن في الدعم اللامشروط من أمريكا وأوربا .وضعف إيران يكمن في كونها تصارع وحدها في غياب شبه تام للإسناد من الصين المنشغلة بترتيب أوراقها لإحكام قبضتها على الإقتصاد العالمي، و روسيا المنشغلة بحربها التي يبدو أنها لن تنتهي قريبا مع أوكرانيا المدعومة من الغرب ..
إيران تعرف ذلك .لذلك، فهي تركز على قوتها الذاتية، وعلى الزمن. وإسرائيل تدرك قوتها المدعومة، لكنها تخاف من ما تخبئه لها الصيرورة. ومما يتهددها من إيران، في حين يسعى الكيان إلى إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء لإعادة تشكيل إيران على ما كانت عليه أيام الشاه لتكمل إحكام قبضتها على خريطة الشرق الأوسط وغرب إسيا بدون منازع.
لكن إيران تقاوم بكل ما تملك من قوة لإفشال ذلك المشروع الصهيو -أمريكي- أوربي.. وسيكشف لنا المستقبل القريب عن النتائج التي ستوجه إعادة صياغة الأوضاع بالمنطقة التي ستكون فيها إيران الحالية حاضرة . لأنها ترفض أن تتحول إلى أثر مسجل في التاريخ؛ لان نظامها القائم كما يبدو يأبى الزوال وهو يقدم نفسه على أنه مستعد للدقاع عن نفسه بالأسنان والأظافر ..
يبدو أن إسرائيل فشلت في تحقيق نصر عسكري حاسم في حربها مع إيران حتى الآن. ويظهر كذلك أن الخسائر المادية والبشرية غير المسبوقة التي مني بها الكيان بسبب الضربات الإيرانية قد تسببت له في مشاكل تكتيكية وآستراتيجية ظاهرة للعيان. لذلك، وبسببه، يبدو أن واشنطن وجدت نفسها مضطرة إلى المسارعة لأخد زمام المبادرة، والإستعداد للحرب، والدخول فيها لإنقاذ حليفتها إسرائيل!! وتحييد البرنامج النووي الإيراني والقضاء عليه نهائيا؛ بل الأدهى من ذلك كله، يبدو أن الهدف الإستراتيجي لواشنطن وتل أبيب يتجلى بوضوح تام في: إلإطاحة يالنظام السياسي القائم في طهران لأنه حسب الكيان والغرب ووكالة الطاقةىالذرية أصبح يمتلك مستوى عاليا من تكنواوجيا تخصيب الأورانيوم ؛ مما يجعله قاب قوسين أو أدنى من صنع القنيلة النووية. وذلك ما يخيف الكيان وأمريكا والغرب الإمبريالي بشكل كبير. إنهم يسعون جميعهم إلى إزالة ذلك النظام؛ لأنهم يدركون جيدا أن سعيه الحثيث لآمتلاك السلاح النووي يعد ركنا أساسيا من أركان عقيدته العسكرية. وأنه حتى إن هزم في الحرب الدائرة الآن وبقي في الحكم، سيعاود الكرة لمتابعة سياسته لتوفير كل ما تتطلبه صناعة القنبلة السحرية التي ستضمن له التوازن مع إسرائيل في المنطقة. ولتفادي ذلك الخطر، لا بد من وأده قبل فوات الأوان حتى لا تدخل إسرائيل في منحدر خطير قد يؤدي بها إلى الإندحار ..
و من جانب آخر ، هب أن إسرائيل وأمريكا نجحتا في إزاحة ذلك النظام المتنفذ منذ الثورة الخمينية في طهران. ووضعوا حدا لوجود المقاومة الفلسطينية، وعمموا التطبيع مع جميع الأنظمة العربية، فماذا سيتبقى من طموح للشعوب العربية والإسلامية في استمرار المقاومة، وتحرير القدس، وإقامة الدولة الفلسطينية، وضمان الكرامة والحق في الوجود الحر، والتمتع بالإحترام كباقي شعوب العالم ؟؟؟ ..
إن ما يخشاه المرء في حالة كسر شوكة المقاومة (كيفما كان لونها وهويتها) هو أن الأجيال القادمة ستعيش في ظل التهميش و الذل والخنوع والهوان …
في الحروب، الدول التي تدمى وتدمي ولو في ظل آختلال موازين القوة بين الدامي والمدمى سيحتفظ لها التاريخ بالشجاعة، وبالجرأة في الدفاع عن وجودها و مصالحها. أما الدول الي تدمى بطرق متعددة، ولا تنبري للدفاع عن مصالحها، فإنها ستبقى تابعة. ومن ثمة ستظل سيادتها منقوصة إلى أجل غير مسمى …
# لا داعي إلى التسرع. الأوضاع معقدة للغاية، والصراع سيستمر بين الضدين؛ لأنه صراع من أجل الوجود. وتلكم هي المعضلة # ..