وجهة نظر

المجتمع المدني بالمغرب ، وصناعة التفاهة -عبد الإله شفيشو

 لقد صدق ما ورد عن نبي الإسلام “مُحَمَّد بن عَبد الله” في حديثه :(سيأتي على الناس سنوات خدّعات، يُصّدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة…قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة).
إن من الصعوبة بمكان قيام منظمات المجتمع المدني في دول ديكتاتورية إستبدادية وشمولية ولئن وجدت فهي ستظل تحت رقابة الدولة وسيطرتها الشيء الذي يفرغ المجتمع المدني بمنظماته وهيئاته وجمعياته من المعنى والجدوى فهي من حيث طبيعة حكمها تعطي لنفسها الفرصة لتكون بديل المجتمع المدني، هذا على خلاف الدولة الديموقراطية التي تعكس تعددية مؤسسات هذا المجتمع وهيئاته فإذا أردنا أن نعرف مدى ديموقراطية الدولة فالمجتمع المدني هو الرأسمال الإجتماعي الذي يسنح بالتعرف على مدى نجاح الديموقراطية في حكومة ما، فلا شك أن طبيعة الحكم هي التي تحدد شكل وأساس العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني أو لنقل هي التي تكشف نوع العلاقة بين السلطة وهيئات المجتمع غير الحكومية وكما هو معلوم فإن المجتمع المدني يشكل سلطة مضادة لتلك الخاصة بالدولة حتى لو كان ينهج التماهي مع سلطتها في بعض الأحيان لكن القاعدة مثلما هو معروف إنه يقف عادة على الطرف الآخر المعارض والحامي لحقوق الأفراد والمواطنين من بطش الدولة وسيطرتها.
في المغرب إنفتاح الدولة على المجتمع المدني لم يأت في سياق طبيعي يؤشر على بداية إيمانها في قدرة مؤسسات المجتمع المدني على المساهمة في تدبير الشأن العام بل جاء في سياق العجز أولا في التصدي للمشاكل الكبرى التي بدأ يعرفها مغرب التسعينات والتي هي ثمرة لنتائج سنوات الثمانينات فهذا الإنفتاح كان يرمي إلى محاولة إمتصاص الغضب الشعبي من إختيارات الدولة، ثم ثانيا جاء هذا الإنفتاح الإضطراري بعد بروز إتجاه لدى الدول الغربية والمنظمات الغير الحكومية العالمية التي تفضل التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني المستقلة على التعامل مع المؤسسات الرسمية من منطلق أن أجهزة الدولة في المغرب لا تمثل تمثيلا أمينا مصالح وتطلعات ومشاكل المجتمع المدني، وهذا الإنفتاح برز بشكل أقوى مع مطلع التسعينات حيث تغيرت إستراتيجية الدولة إتجاه المجتمع المدني بعد أن عجزت عن القضاء عليه بالمرة أو منافسته بشكل كبير وبذلك إتجهت إلى إحتوائه وتوظيف مؤسساته وموقعها في المجتمع ومن هذا المنطلق بدأ الحديث عن إشراكه في إعداد البرامج الحكومية وتدبير المرافق وتوسيع حضوره ورموزه في الأنشطة الرسمية ووسائل الإعلام.
في المغرب وبعد إنفتاح الدولة على المجتمع المديني -والذي لم يكن إنفتاحا بريئا- سيتم إحتوائه ودبلجته بحيث أنه سيتم تحويل بوصلة مهامه عن الدور المنوط به الثقافي والتعبوي من خلال الدفع بمؤسسات المجتمع المدني لتقوم بوظائفها الأساسية في البلاد سواء من خلال إشاعة ثقافة مدنية ديمقراطية ترسي في المجتمع مبنية على إحترام قيم النزوع للعمل التطوعي والعمل الجماعي وقبول الإختلاف والتنوع بين الذات والآخر مع الإلتزام بالمحاسبة العامة والشفافية وما يترتب عن ذلك كله من تأكيد قيم المبادرة الذاتية وثقافة بناء المؤسسات، ومن هنا فإن إشاعة الثقافة المدنية التي تعزز هذه القيم في المجتمع هي خطوة مهمة على طريق التطور الديمقراطي حيث يستحيل بناء مجتمع مدني دون توفير صيغ سلمية لإدارة الإختلاف والتنافس والصراع طبقا لقواعد متفق عليها بين جميع الفئات والأطراف كما يستحيل بناؤه دون الإعتراف بالحقوق الأساسية للإنسان خاصة حرية الإعتقاد والرأي والتعبير وما إلى ذلك ومن ثم فإن دور المجتمع المدني في إشاعة الثقافة المدنية بهذا المفهوم هو تطوير ودعم للتحول الديمقراطي في نفس الوقت.
في المغرب تجربة المجتمع المدني لم تعد تهتم بالمعاناة اليومية للمواطن بل دفعت بذلك المواطن بأن تجعل منه متسول رسمي له بطاقة ورقم تسلسلي ينتظر في طابور مع أقرانه هبة أو عطية بالكاد تملأ بطنه ولا تغير وضعه، فإنخراط المجتمع المدني في هذا النمط من الأعمال الخيرية هو في حقيقة الأمر الترويض السياسي للمجتمع الزبوني في اللحظة التي يجب أن يحظى المجتمع المدني بقدر من الإستقلالية بما يؤهله لأن يكون حصنا للمجتمع ضد الإستبداد والقداسة وأن يحوز على الجرأة في نقد الدولة ومطالبتها بالإصلاح من دون أن يسعى لأن يكون بديلا عنها، وتجدر الإشارة هنا إلى موقف(ترانسبرانسي Transparency)الذي يؤكد على أن الدعم المالي الموجه من الخارج نحو المؤسسات المدنية الوطنية يعد صراحة رشوة وفي المغرب يطرح موضوع تمويل الهيئات المدنية الذي يضرب في مصداقية إستقلاليتها وكذا مصداقية النشاط المدني وشفافيته، والإستقلالية بهذا المعنى ترفض الزج بالمجتمع المدني في متاهات الحاجات الإجتماعية الجزئية اللامتناهية تحت عنوان محاربة الفقر أو التضامن وهو الزج الذي يخدم الدولة بمعنيين، الأول أن ينخرط المجتمع المدني في ملهاة الغرض منها إستنزافه، والثاني هو أن تصبح الدولة بنظر المجتمع في حل من مسؤوليتها الإجتماعية.
عبد الإله شفيشو / فاس


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى