يبدو أن العالم يقف مجددًا على حافة مواجهة مفتوحة بين إسرائيل وإيران، وسط ضباب كثيف من التصريحات المتبادلة، والضربات العسكرية، والتقديرات الاستراتيجية التي لا تخرج عن إطار لعبة شطرنج دامية، قد يحسمها قرار واحد من رجل واحد: علي خامنئي.
نقلت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية تصريحات لمسؤولين إسرائيليين أعربوا فيها عن استعدادهم لوقف إطلاق النار في حال قرر المرشد الأعلى الإيراني الانسحاب من المواجهة. هذه اللهجة، رغم ما توحي به من براغماتية، تخفي اعترافًا ضمنيًا بأن إسرائيل لا ترغب في الانجرار إلى مواجهة طويلة الأمد مع قوة إقليمية كإيران، خصوصًا في ظل هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية وتعقيدات الوضع الإقليمي والدولي.
اللافت أن إسرائيل لا تسعى إلى “إسقاط النظام الإيراني” كما أوضح أحد مسؤوليها، بل تركّز على هدف محدد: تعطيل القدرات النووية لطهران. هذا الاعتراف يحمل بُعدًا استراتيجيًا مهمًا، فتل أبيب تعي جيدًا أن قلب النظام الإيراني مسألة أكبر من قدراتها، وأن أفضل ما يمكن أن تحققه هو إبطاء التقدم النووي الإيراني، ولو لعقد من الزمن.
من جهتها، تراقب الولايات المتحدة، الشريك غير المُعلن في هذا التصعيد، ما ستؤول إليه الأمور. ورغم الضربات “الناجحة” التي نفذها جيشها على المنشآت النووية الإيرانية – والتي أشاد بها دونالد ترامب واعتبرها “انتصارًا ساحقًا” – إلا أن واشنطن لا تبدو متحمسة لمواصلة المواجهة، وتفضّل كما تشير التقارير، أن تدفع إيران نحو طاولة المفاوضات مجددًا.
لكن، هل ستستجيب إيران؟ هذا هو السؤال المحوري. النظام الإيراني، المحاصر داخليًا والمطوّق خارجيًا، قد يجد في التصعيد وسيلة لاستعادة زمام المبادرة، وتوحيد الجبهة الداخلية عبر استثمار خطاب “المظلومية” و”التهديد الخارجي”. وفي المقابل، فإن خيار التهدئة أو التفاوض سيُفسَّر داخليًا كضعف أو تراجع، وهو ما يتجنبه النظام بشدة.
أما دونالد ترامب، فكما عوّدنا، لم يضِع فرصة تحويل الحدث إلى منصة انتخابية. في خطابه الأخير، لم يكتفِ بمدح الجيش الأميركي على “العمل الرائع”، بل هاجم خصومه في الحزب الجمهوري، وكأن القضية النووية الإيرانية مجرد فصل إضافي في معركته الأبدية مع من يخالفونه الرأي. لكن اللافت هو استخدامه لغة الحرب كوسيلة لتعزيز صورته، في وقت كان فيه يُنتقد بشدة على مواقفه الخارجية المتقلبة.
في النهاية، لا يبدو أن أي طرف يملك مصلحة حقيقية في التصعيد المفتوح، ومع ذلك، فإن المنطقة بأسرها تقف على حافة هاوية، حيث قرار واحد – سواء كان صاروخًا، أو تصريحًا، أو حتى تغريدة – قد يطلق العنان لسلسلة من الأحداث التي يصعب السيطرة عليها.
الرهان الآن على العقلانية و الواقعية ، لكنها عملة نادرة في صراعات الشرق الأوسط.