يوميات حرب كسر العظام بين إيران وإسرائيل ، خيارات طهران وأوراق ضغط ،الخطة باء ضرب القواعد الأمريكية بالخليج.

محمد جرو/الطنطان/تنوير:يوميات حرب كسر العظام بين إيران وإسرائيل ،خيارات طهران وأوراق ضغط ..الخطة باء ضرب القواعد الأمريكية بالخليج..
*حين ينهار السقف ولا يسقط القبو
عندما تطلع على عالم الاستراتيجية النووية، ستفهم أن الضربات ليست هي ما يحسم المعركة، بل ما يحدث بعدها، فعندما قصفت إسرائيل ثم الولايات المتحدة منشأة فوردو النووية الإيرانية في يونيو 2025، ظن البعض أن نهاية البرنامج النووي الإيراني قد حانت، وأن “ضربة المطرقة” الأمريكية كانت كافية لإخضاع الجمهورية الإسلامية. لكن الواقع، كما تظهره الأقمار الصناعية والمواقف الإيرانية الهادئة، يشير إلى عكس ذلك.
إيران لم تخسر شيئًا مهمًا. بل، ربما فعلت ما هو أذكى: تفعيل الخطة باء.
وتعد قاعدة “عين الأسد” غرب بغداد أكبر هذه المواقع، حيث تضم آلاف الجنود الأميركيين وتُدار بالشراكة مع الجيش العراقي. وكانت هذه القاعدة قد تعرضت لهجوم إيراني بصواريخ باليستية عام 2020 عقب اغتيال قاسم سليماني، ما أسفر عن إصابة العشرات ووقوع أضرار كبيرة.
وفي الهجوم نفسه، استهدفت إيران أيضاً قاعدة عسكرية أميركية في أربيل شمالي العراق، ضمن إقليم كردستان تتوزع القوات الأميركية في الخليج ضمن قواعد رئيسية، أبرزها: قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تُعد مركز القيادة المتقدم للقيادة المركزية الأميركية وتضم أكثر من 10 آلاف جندي.
-القاعدة البحرية في البحرين، مقر الأسطول الخامس الأميركي، وتضم نحو 8,300 بحار.
ـقاعدة الظفرة الجوية في الإمارات، وقواعد في الكويت مثل “علي السالم” و”كامب بوهرينغ”.
فمنشأة فوردو لم تُبنَ تحت الجبل صدفة، بل وُضعت هناك بعد دراسة فنية وجيولوجية دقيقة، تحت أكثر من 80 مترًا من الصخور الجيرية، في تضاريس جبلية وعرة، صُممت فوردو ليس فقط لتخصيب اليورانيوم، بل لتحصين النفس الإيرانية أمام سيناريوهات الهجوم الجوي.
فإيران ليست بالسذاجة التي يعتقد الغرب والولايات المتحدة ،فقد استبق الضربة الأمريكية ب:
-نقل المعدات الحساسة قبل الضربة.
– إنشاء منشآت بديلة في مواقع لم تُكتشف بعد (ربما في الجنوب أو داخل سلاسل زاغروس).
– استغلال الضربة إعلاميًا لإعادة الشرعية لبرنامجها النووي.
– تفعيل حلفاءها (حزب الله، الحوثيون، ميليشيات العراق) كصدى ميداني للردع.
كل ذلك جرى بهدوء، دون صخب إعلامي. بل كان الخطاب الإيراني مُغلفًا بالبرود الدبلوماسي:
“نحتفظ بحق الرد… وسنواصل تخصيب اليورانيوم دون تراجع.”
ومن ضمن الخيارات المتاحة للرد الإيراني دخول حلفائها على خط المواجهة، فقد توعدت جماعة أنصار الله الحوثيين السبت 21 حزيران، باستهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر في حال مشاركة واشنطن في الهجوم على إيران، ليجهضوا بذلك اتفاقا سابقا مع إدارة ترامب وبرعاية عمانية وتضمن وقف الهجمات الحوثية على أهداف أمريكية في البحر الأحمر مقابل وقف واشنطن لضرباتها الجوية، وهو ما يجعل الجماعة الحليفة لطهران في “حلٍّ من أمرها” من الاتفاق المذكور وكانت أعلنت كتائب حزب الله في العراق الأحد الماضي، وهي مجموعة مسلحة مدعومة إيرانياً، أنها ستستهدف المصالح الأمريكية في المنطقة إذا تدخلت واشنطن في الصراع بين إيران وإسرائيل.
وقال الأمين العام للجماعة، أبو حسين الهامدوي، في بيان: “نراقب تحركات الجيش الأمريكي في المنطقة. وفي حال تدخله، سنتحرك مباشرةً ضد مصالحه وقواعدِه دون تردد.”
وبحسب مسؤول أوروبي مطّلع، وجهت إيران تحذيراً مباشراً للدوحة قبل تنفيذ الضربة الأميركية، مفاده أن أي قاعدة أميركية في الخليج ستكون هدفاً مشروعاً في حال تطور التصعيد.
رغم تصاعد الخطاب الإيراني، يؤكد خبراء الدفاع أن ترسانة طهران من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز — حتى تلك قيد التطوير — لا تمتلك مدى يتيح لها ضرب الأراضي الأميركية.
كما أن سلاح الجو الإيراني يفتقر إلى القدرة على الوصول إلى العمق الأميركي. وبذلك، يبقى الرد الإيراني محصوراً غالباً في استهداف القواعد والمصالح الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط.
في غضون ذلك، حذّرت السفارة الأمريكية في بغداد المواطنين الأمريكيين من احتمال وقوع هجمات تستهدف أماكن وجودهم في العراق، داعيةً إلى تجنب الأماكن التي يرتادها الأجانب والتجمعات.
*المكسب الاستراتيجي: حين يخسر العدو صبره..
الضربة الأمريكية كانت انتصارًا تكتيكيًا، لكنها كشفت يأسًا استراتيجيًا. فبدل أن تؤدي إلى توقف البرنامج الإيراني، أعطت طهران:
– مبررًا لإخراج المفتشين الدوليين.
– ذريعة لتخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من السابق.
– فرصة لإعادة بناء المنشآت في أماكن غير معروفة هذه المرة.
وهنا، يكون السؤال: هل أرادت إيران فعلًا أن تخسر فوردو؟ أم أنها ضحت بها طواعية لإطلاق يدها في باقي الأراضي؟
ومن بين التوقعات ما بعد فوردو: السلاح ليس بعيدًا،
مع تطور زمني قصير (6–12 شهرًا)، يمكن لإيران نظريًا أن:
– تنتج كمية من اليورانيوم المخصب كافية لسلاح واحد على الأقل، هذا إن لم يكن فعليا لذبها!.
– تستعمل منشآت جديدة مخفية (قد تكون محمية بالذكاء الصناعي والتمويه الجيولوجي).
– تتبنى استراتيجية الغموض النووي على طريقة إسرائيل نفسها.
وبالتالي، فإن قصف فوردو لم يكن نهاية، بل بداية لمرحلة أخطر وأقل شفافية
استنتاجات خاصة ..عندما لا تخسر إيران… فهي تربح،فإذا كانت الولايات المتحدة قد أرادت “قصم ظهر المشروع النووي الإيراني”، فالحقيقة أنها ربما فقط دفعت إيران إلى السرعة، والتمويه، والاعتماد على ذاتها أكثر من أي وقت مضى ،وإذا كان العالم قد شاهد قبة جبل تهتز، فربما لم يرَ ما يحدث في أعماق الجغرافيا.
ومن بين الملاحظات الجوهرية في هذا الموضوع ،هو أنه من لم يتعلم من فشل قصف العراق في 1981، ومن فشل ضرب سوريا في 2007، سيكتشف أن إيران ليست مجرد مشروع نووي، بل مشروع دولة تتقن المناورة تحت القصف.
سقوط طهران لا يعني نهاية إيران… بل بداية حرب ظل طويلة من تحت الأرض،ويجب أن لانتسى إغلاق مضيق هرمز…