ثقافة و فن

زينب الحسيني تقرأ قصيدة “كفي على الباب” للشاعر الدكتور وليد جاسم الزبيدي

القراءة :
– تمهيد:
للوهلة الاولي يستوقفك عنوان” كفي على الباب” وتداعيات صورة امرأة تطرق بالكف باباً موصداً , فتسترجع صور الحرب والنزوح القسري لأحباب غابو، ومشردين نزحوا بلا عناوين ولا أخبار عن إياب ..
تبدأ بالبيت الاول لشاعر يرتجل الشعر ارتجالاً فيأتي شعره منمقاً بزاخر الصور والأحاسيس المرهفة والمجازات..
– مقدمة:
للجسد لغة متميزة وعلم خاص يسمح لعلماء النفس بتفسير الإيماءات والإيحاءات الجسدية الصادرة عن النفس البشرية. كما أن هناك فن الحركات الإيمائية “البانتوميم” وهو فن التعبير عن الافكار والمشاعر والآراء عن طريق الحركة الإيحائية للجسم فقط.
ولا يخفى ما لحركة الأصابع والكف من دلالات تعبيرية نفسية، فعدا عن كون اليد / الكف، هي حاسة للَّمس، فبالأيدي نحتضن أحباءنا ساعة اللقاء، وبإشارة الكف نودعهم ساعة الفراق …وغالباً ما تترافق رعشة الأصابع مع خفقان القلب، ويعرفها العاشقون والمكلومون والفرحون على السواء.وكف اليد المكّوَّرة علامة على الثورة..
وقديماً قال شوقي:
وللحرية الحمراء بابٌ _____بكل يد مضرَّجة يدق
بدءاً من العنوان:
“كفي على الباب” جملة اسمية، يجمع طرفيها حرفُ الجر “على”
وكما لـ” كف اليد” دلالات ورموز حركية ,كذلك لل”باب” أكثر من عنوان رمزي، وله أبوابٌ من المعاني وأبواب..
يقال: آت البيوت من أبوابها، أي توصل إلى الأمور من مدخلها الطبيعي.
طرق كل الأبواب؛ أي استعمل كل وسيلة.
للأوطان أبواب, وللقلوب أبواب..
تيمة النص :
تبدأ القصيدة بمناجاة شفيفة يقول الشاعر فيها:
كفي على الباب هل سمع وهل ردُّ؟
يا ساكن الدار قد اضنى بنا البعدُ
_ هل سمعٌ وهل ردُّ؟
هو تساؤل العارف الذي يدري بأن الدار خالية من ساكنيها، وقد أضناه الشوق والبعد عن أحباب بالأمس كانوا كل الحب والأنس والفرح, وما زالت أصوات ضحكاتهم تدوي في الأرجاء، ولا زالت في تجاعيد “الشبابيك” أصداءٌ،
لهمس العشق والنجوى في ليالي السُّهادْ..
إذن تيمة النص هي “الفقد والحنين” ولهفة الشوق والانتظار..
_ في بناء القصيدة:
استخدم الشاعر الرمز:
وقد تكررت كلمة” كفِّي” خمس مرات, وكأن الشاعر قد وظف “الكف” كأداة رمزية تعبيرية، تختصر اللمس والسمع والبصر، أو مجسة لما في نفسه من عواطف وأحاسيس داخلية مصطخبة، تبث ما يكابده من اللَّوعة والأسى،
فيناجي الدار ويستعطف أهلها كي يفتحوا “الأبواب”، وتلح اليد العاشقة في “الطرق” على الأبواب, ولا من سميعٍ أو مجيب!
_ كفي على البابِ ..
_كفي تحدث ..
_ كفي تعلِّق ..
_ كفي تميمة عشقٍ أورقت ألماً
_كفي تسمَّر.. والأشواق تمتدُّ..
فكم يؤلم العاشقَ، أن يشقى بوحدته و ذكريات لا تبارح مخيلته التعِبة التي “تورق” ألماً, كلما تذكر الأحبة.. يقول:
كفِّي تميمة عشق أورقت ألماً
والصوت بحَّ ونيرانٌ لها وقْدُ
_ يتعدى الشاعر التعبير عن ال” أنا” إلى التعبير عن ال” أنا الجماعية”الموحِّدة لساكني الدار، “الدار” التي تبدأ من الوحدة الصغيرة وتتعداها إلى دائرة الأحبة ثم تكبر، لتصل إلى الدار / الوطن:
تلك الأم ا لرؤوم التي تحتضن أولادها وترعاهم بكل الحب والأمان
يا صاحب الدار كم مرت بنا محنٌ
كنَّا إليها وفينا اليوم تحتد.
وبعد طول انتظار يقول:
فيا وحشة الدار في ترحال أزمنةٍ
كفي تسمَّر .. والأشواق تمتدُّ.
وبهذا البيت الأخير, تنتهي القصيدة بحركة دائرية فتعود لتستلهم “الكفَّ” والأشواقُ ” تمتدُّ”..
الكف تبقى” مسمَّرةً”
تقرع كل أبواب الوطنْ، وطن الحضارة والمجد التليد، و بهذا يستنهض الشاعر همم الشباب توقاً لانبعاثه بعد الترمد…
ويبقى الانتظار ل ” ساكني الدار”، حلماً معلقاً على ” باب النصر”، و”الأشواق تمتد”..
_ النص قصيدة عمودية بنيت على البحر البسيط مع بعض الجوازات:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعِلن
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
ـ كالعادة لقصائد الشاعر المبدع د. وليد الزبيدي، نكهة خاصة تتميز بالدفق العاطفي والنغم الموسيقي، وتآلف الحروف والكلمات مما يعطي النص الشعري جمالية مضافة لجمالية الوزن والقافية .
_ اللغة ثرية المجازات والاستعارات والصور.
كقوله على سبيل المثال لا الحصر:
” كفي تحدث عن شوق يكابدني “(أنسنة اليد)
“كفي تميمة عشقٍ أورقت ألماً” ( صورة مجازية رائعة)
“ظلَّ الغصن منتشياً” ( أنسنة الغصن ”
علامات التعجب والسؤال زادت النص حركية وانفعالاً
فهي تعبر عن قلق الشاعر الحائر المنتظر على الباب طيف أحباب غابوا ولم يتركوا وعداً بالجواب..
_ البناء الدائري للقصيدة أعادنا كما أعاد الشاعر إلى نقطة البداية والتأزم
فبعد طول انتظار لم تفتح الأبواب ، وكأن الحلول شبه مستحيلة ولم يبقَ غير الخيبة، لكن الأمل لم ينقطع .. ولا تزال “الأشواق تمتدُّ”..
الخاتمة:
تنتهي القصيدة لتبدأ تداعيات الشوق والحنين إلى فتح الأبواب الموصدة:
أبواب التآخي والإنسانية ونبذ الحروب العبثية المدمِّرة, التي تباعد الأحبة وتشردهم, وتحدث شروخاً في الأوطان..
بالغ الشكر والتقدير لشاعر مبدع..
النص:
كفي على الباب هل سمعٌ وهل ردُّ؟
يا ساكن الدار قد أضنى بنا البعدُ.
كفي تحدث عن شوق يكابدني
والطَّرق دربٌ وقد يلوي به الصَّدُّ
يا ساكن الدار كن صوتاً فلا وجعاً
أقسى من الصمتِ في الأرجاء إذ يشدو
كفي تعلق فوق الباب شاهدةً
أن كيف أنسى ما فيها وما تخدو
كفي تميمة عشقٍ أورقت ألماً
والصوت بُحَّ ونيرانٌ لها وقدُ
في عتبة الدار كان الأنس يجمعنا
وفي الظلال حكايا لها ودُّ
وفي الشبابيك ظلَّ الغصن منتشياً
من همس نجوى وما يندى به السهدُ
يا صاحب الدار كم مرت بنا محنٌ
كنا إليها وفينا اليوم تحتدُّ
ما كان للنأي نايٌ في خوطرنا
بل كان للوصل فيها الجود والرغدُ
يكفي وقوفاً فقد طال انتظاركمُ
لا صوتَ يصدحُ لا همسٌ ولا وعدُ
يكفي انتظاراً فما بالدار من رصد
كل الدروب متاهاتٌ لها قصدُ
يا وحشة الدار في ترحال أزمنةٍ
كفي تسمَّر والأشواق تمتدُّ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى