وجهة نظر

“إسرائيل” عنوان حرب “مركبة” ضد إيران-إدريس عدار

  أعتقد أن الضربة القاسية تلقتها إيران صبيحة الجمعة. كانت معركة “مركبة” هدفها شل الحياة العسكرية في كامل إيران، ويستحيل أن تكون كاملة من الخارج، ولكن خلاصة تعاون كبير، بين أجهزة مخابرات ودول تم فيها توظيف الاشتغال بعيد المدى على عناصر متعددة.
عملية مركبة يعني بموازاة هجمات الطائرات “الإسرائيلية” كانت قواعد ثابتة لمسيرات يستعملها عملاء للموساد وأجهزة استخبارات متعددة يعملون على الأرض، وحتى يتم الإعلان عن الطريقة التي تمت بها، تبقى بعض الفرضيات مقبولة، كأن تكون الاغتيالات من الداخل، وتبقى قضية تعطيل الدفاعات الجوية لمدة سؤالا محيرا، يصعب تعطيله بالكامل عبر عمليات إلكترونية.
إذن كان الغرض السيطرة على الحكم، وهذا ما يفند ادعاءات ومزاعم نتن-ياهو أنهم لم يريدوا اغتيال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، ولم تم لهم ذلك لاستطاعوا السيطرة على البلاد، إذ تخرج المجاميع الكامنة للوجود، وتعلن السيطرة على الحكم.
لهذا قلت إن الضربة الأصعب هي التي تمت يوم الجمعة، وبعد تجاوزها واستعادة الدفاعات الجوية عافيتها تمت المنازلة، وقد تفاعلت بشكل دقيق مع الطائرات الصهيونية، وإسقاط عدد منها بما فيها F35 ، وتم إطلاق موجات من الوعد الصادق 3 بما يعني أن الرد على الضربة صبيحة الجمعة لم يتم بعد.
الضربة القاسية مرت وهذا لمن يفهم في تصاعد العمليات العسكرية، ولاحظ الجميع أن نتن-ياهو كان منتشيا يعلن النصر المبين، القضاء على القادة العسكريين وتوجيه ضربة للمفاعلين النووين فوردو ونطنز، وابتهجت كل “إسرائيل”، التي ستتلقى في المساء ردا قاسيا من إيران.
ومما يفيد أن “إسرائيل”، التي يزعم نتن-ياهو أن لها سيطرة مطلقة على الأجواء الإيرانية، عاشت نشوة وهمية هو أن بنك الأهداف الإسرائيلي لم يعد واضحا، إذ هاجمت أمس الأحد مبنى هيئة الإذاعة والتليفزيون الإيراني، في وقت ما زالت إيران تختار أهدافا بدقة، توفرت لديها من الكم الهائل من الوثائق التي سيطرت عليها من الداخل الإسرائيلي.
تدني بنك الأهداف يعوضه نتن-ياهو بادعاءات زائفة يقول فيها إنه قضى على الترسانة الصاروخية لإيران، في وقت تمطره الجمهورية الإسلامية كل يوم بوابل من الصواريخ المتنوعة، والتي يقول القادة العسكريون إنها ليست سوى ردا في إطار الوعد الصادق 3 وأن “العين الحمارء” لا زال لها وقت. حيث جاء في بيان للحرس الثوري أن القوة الجوفضائية وحدها التي دخلت الآن المعركة، إذ ما زال مخزونا الكثير ومنها الزوارق الانتحارية. وأوضح أن هذه الضربات ستستمر بشكل متتابع، معقد، متعدد الطبقات، وتدريجي.
نزول في بنك أهداف الإسرائيلي وتصاعد في عمليات الإيراني.
لو كان نتن-ياهو منتصرا ما طلب التدخل الأمريكي المباشر لتدمير البرنامج النووي الإيراني، الذي يعتبر وهما، لأنه يحتاج تقنيات عالية وقدرات ولوجيستيك كبير، أو عملية خاصة قد تكون كارثية عليهم.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن ذكر طلب التدخل الأمريكي يجرنا إلى الحديث عن تهديدات ترامب. وهي تهديدات مألوفة، غير أنها لن تغير من شكل المعركة إلا في توسيع دائرتها، لكن لن تخلق نصرا، لأن الضربة التي تم استيعابها واحتواء العناصر الإرهابية بالداخل أبعدت العمل الموازي في الجو وعلى الأرض وهو وحده الذي يمكن أن يحسم المعركة بتغيير النظام، وهذا أصبح متجاوزا بعد تفعيل عمل الباسيج أو قوات التعبئة الشعبية، التي تراقب كل شيء في كل مكان اليوم.
ما الذي سيقدمه ترامب أكثر مما هو متوفر لنتن-ياهو اليوم؟ بيد رئيس وزراء “إسرائيل” ما لا يحلم به أي زعيم في العالم، دعم أمريكي متواصل وخط سلاح مفتوح، وطائرات أمريكية وبريطانية وفرنسية لا تشارك في الهجوم ولكن في تزويد الطائرات المحاربة بالوقود، ناهيك عن المعلومات الاستخباراتية الكبيرة.
استخباراتيا قرأت أمرا مضحكا. أمر فيه نوع من الأسطورة قصد استكمال الفراغات في ذهن المحلل. أسطورة الجاسوسة المتشيعة كاثرين بيريز شكدام. تداولتها العديد من الصفحات والمواقع على أنه مفتاح لغز الضربة صبيحة الجمعة. أمر غريب أن تتمكن واحدة من خلق كل هذا الزخم. المرأة والمال والتوريط هي أدوات الجاسوسية، لكن غريب أن يكون لها كل هذه القدرات.
بغض النظر عن الحكاية ومدى صحتها، فإن عالم التجسس غريب، والتجسس داخل إيران ليس وليد سيدة تشيعت فصدقوها.
لقد تم الاشتغال كثيرا على إيران، من خلال عشرات الأحزاب والمنظمات المهيكلة، التي يتم تمويلها من دول معروفة، وكانت إحدى الدول لا تخفي دعمها لأحزاب الثورة الأهوازية المسلحة، تحت عنوان العروبة، رغم أنهم شيعة (91 في المائة) والدولة الممولة على حرب مع الشيعة، وأحزاب بلوشية، تحت دعوى حقوق أهل السنة والجماعة، والجماعات الكردية، وأقليات أخرى اشتغلت عليها بريطانيا بعنوان حرية المعتقد، وجماعات آذرية وغيرها.
جزء من هذه المنظمات يحمل السلاح منذ زمن بعيد ومنها منظمات انفصالية وأخرى تسعى لقلب النظام مثل منظمة مجاهدي خلق (مجاهدي الشعب)، التي تتعامل بشكل علني مع المخابرات الأمريكية دون أن تخفي تلقي الدعم من دولة عربية نفطية، التي ألقى وزير خارجيتها خطابا في مؤتمرها بباريس، وهي تنظيم مسلح.
لكل هذه التنظيمات خلايا بالداخل، وكلها لها ارتباطات بشكل أو بآخر بغرفة عمليات “إسقاط النظام الإيراني”، وقامت بعمليات اغتيال كثيرة بتوجيه من المخابرات الدولية، والتي كانت كلها تنسب إلى الموساد، لأنه جهاز مخابرات تابع لدولة مارقة.
من يتحدث عن متشيعة استطاعت خلق كل هذا الخرق ربما لا يعرق أن إيران فككت أكثر من ألف خلية تجسس منذ الثورة، أي أكثر من 22 خلية سنويا وهو رقم قياسي جدا. أي أن الاشتغال على هذا البلد كبير جدا وما وقع الجمعة، في اعتقادي، هو استثمار لكل هذا الجهد لإعادة سيناريو دمشق لكن لم ينجح.
أما تهديدات ترامب المتكررة فهي لا تخرج عن سياق التهديدات التي وجهها لليمن قبل أن يعود صاغرا يطلب اتفاقا بوساطة عمانية دون أن يفرض على أنصار الله وقف إسناد غزة.
بالجملة هي معركة “مركبة” يتم فيها استعمال إسرائيل باعتبارها دولة مارقة، لكن كل من ننتظر أ، يتدخلوا فهم قادة المعركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى