شارك الفيلم الصومالي- قرية قرب الجنة- في المهرجان الدولي للسينما الإفريقية في دورته 25، سيناريو وإخراج الشاب السوداني مو هاراوي، وبطولة أحمد علي فرح، وعناب أحمد إبراهيم، وأحمد محمود صليبان ، من إنتاجات سنة 2024. ونال الجائزة الكبرى عن جدارة واستحقاق في هذا المهرجان السينمائي الإفريقي بعد تتويجات دولية سابقة في فرنسا والمغرب والنمسا والولايات المتحدة الأمريكية.
يحكي الفيلم مجموعة من القصص بشكل متناغم ومنسجم مسح بها المخرج الوضع العام في مجال جغرافي منفتح على تحديات صعبة في الاقتصاد والسياسة والأمن والمجتمع في القرن الإفريقي، حيث التهريب والقرصنة، وحركات التطرف الديني. والجميل في الفيلم أنه عنون بالقرية، لكنه جعلها متعلقة بالمدينة لخلق فاعلية في السرد داخل الفيلم وفتحه على العديد من الاحتمالات.
تدور الأحداث في قرية ساحلية تدعى –بارادايس- حول الوضعية الاجتماعية لمجموعة من الأسر والأفراد، ومن العنوان تظهر شاعرية خاصة، و يفتح باب التأويلات والتنبؤات قبل بداية المشهد، فالعنوان طبق أول يغري بالمشاهدة.
وفي واجهة الأحداث سيدة تمارس حرفة الخياطة، تفقد عملها في ظروف غامضة، وتعيش في منزل بسيط مشترك مع شقيقها المياوم في حفر القبور، وتهريب السلع، والمجبر على رعاية الطفل “سيجال” الذي يرتبط ماضيه بحكاية مأسوية حول الشرف، من عمق المجتمعات المحافظة الذكورية.
بني السيناريو بشكل متراص، فكل حدث ينقلنا بشكل سلس ومبرر، ومنطقي نحو الحدث الموالي، وهو ما أعطى للبناء السردي داخل الفيلم جمالية فريدة خلقت الفضول لدى المشاهد لمعرفة مصير كل شخصية، حيث انشغلنا في البداية بحصول البطل على فرصة عمل، ثم جاء دور الخياطة في رحلة البحث عن محل لنشاطها المهني، وفي مسار سردي ثالث انتظرنا مصير الطفل –سيجال- في المدرسة الداخلية، وقد نجح الفيلم في الربط بين هذه المسارات بشكل يغري بالمشاهدة دون الإحساس بالملل رغم أن مدة الفيلم تجاوزت الساعتين.
أدت الشخصيات أدوارها بشكل قوي وصادق، وهكذا نجح المخرج الشاب في تطويع ملكة التشخيص عند أحمد علي فرح للتعبير عن الهزات النفسية، في مواجهة الحياة من خلال طريقة التدخين، والتنفس، والنظرات المعبرة عن الحيرة والترقب، وكانت لحظات الصمت أكثر تعبيرية وظف فيها الحوار بالأحاسيس والعيون. ينطبق الأداء القوي على الطفل الذي استأنس بالكاميرا، وبدا أنه يعيش حياته بشكل اعتيادي علما أن ظروف التصوير لم تكن عادية بالنسبة لطفل صغير في سنه، أما الممثلة التي أدت دور العمة والخياطة فمن هدوئها، وحركاتها وصمتها دخلت القلوب، وكسبت التعاطف وأعطت المثال عن مثابرة النساء في عالم يحكمه الذكور .
توفق الفيلم على مستوى التصوير، واعتبر من نقط القوة، ونبدأ من تأطير اللقطات الداخلية باعتماد اللقطات الثابتة لإعطاء طابع الترقب على الأحداث، وخلق الإحساس بصعوبة التقدم نحو الأمام، ولهذا نجد لقطات يغلق فيها الأفق أمام الشخصيات، وفي نفس الوقت وظف المخرج كثيرا البانوراميك” لمسح الفضاء سواء كان داخليا أو خارجيا، كما اشتغل على تقنية الإطار داخل الإطار تعبيرا عن ارتباط مصير الشخصيات ببعضها البعض، دون أن ننسى الاعتماد على- travling- انسجاما وعمق القصة المبني على الذهاب والإياب بين القرية والمدينة. وبسبب دقة التصوير ننغمس في الفيلم ونحس به، ونشم الروائح والأدخنة( احتراق الوجبة)، ونتحسس الرمال، والغبار بشفاهنا وعيوننا، ونستشعر الخطر بقلوبنا.
سلط الفيلم الضوء على البؤس الاجتماعي والاقتصادي للساكنة، لكنه في العمق ركز على المرأة، وما تعانيه في المجتمعات الثالثية، من خلال ربط مصير النجاح والتمكين لها بالرجل/ الزوج، ولهذا تضمن الفيلم حكايات مجموعة من النساء سواء في خلفية القصة الرئيسية أو بالموازاة معها.