وجهة نظر

الاتحاد الاشتراكي إرث جماهيري أضعفه الانتهازيون

أحمد رباص
كل “المناضلين” الذين شكلوا حلقة حول لشكر صار أمرهم مشبوها فيه، وحدهم الاتحاديون الذين أعطوا له الاتساع حافظوا على سلامة طويتهم. العيب الكبير الذي تفاقم مثل السرطان في جسم الحزب راجع إلى التشبث، في الخفاء والعلن، بتطلاعتهم الشخصية إلى الفوز بمزايا ومغانم على حساب مصلحته العامة والمشتركة والتي لا تتحقق إلا باحترام أرضيات وأدبيات ومذهبيات الحزب.. عند التحاقي بالحزب في عز شبابي، كان منطلقي بالأساس مبدئيا، حائزا على جانب من الالتزام الأخلاقي بالنضال على مستوى تنظيمي ونقابي وإعلامي. اندرجت مبادراتي على هذا المستوى في دينامية حية انعكست إيجابيا على الحزب وأمدته بقوة هائلة ناتجة عن ثقة جماهير عريضة في عرضه السياسي. أما الآن، فقد هاجر المناضلون الاتحاديون خيمتهم وتركوها نهبا لزمرة من الانتهازيين..
من هذا كله، نخلص إلى أن الأخ أمام شقران، الذي سبق له أن تنافس مع لشكر على الكتابة الأولى، ليس وحده من يحمل بين أحشائه الفكرة الاتحادية كما جاء في مقال نقدي منشور راهنا على موقع “ضربة قلم”، بل إن أمثاله كثر وموزعون بين القبائل والمناطق يكفي إعادة تعبئتهم وتجنيدهم لاستعادة أمجاد وأوصاف حزب اسمه “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”.
لكن للحقيقة وللتاريخ، يبدو أن داء العطب قديم. ظهرت أعراضه في أبشع صورها في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، ويمكن التمثيل لها عن طريق الوقوف على حدثين طبعا بميسمهما الخاص تاريخ صحافة الاتحاد الاشتراكي.
المقصود بالحدثين ازاحة محمد البريني وعبد الهادي خيرات عن منصب ادارة صحافة الاتحاد الاشتراكي.
الحدث الأول، وقع أثناء عودة عبد الرحمن اليوسفي من الديار الفرنسية في منتصف التسعينيات ككاتب اول لحزب الاتحاد الاشتراكي. كانت الجريدة الناطقة باللغة العربية تحت مسؤولية محمد البريني مؤلف كتيب سردي بالفرنسية بعنون “اللسان المقطوع”، بينما الجريدة الأخرى الناطقة بالفرنسية، والتي اقتبست اسم جريدة فرنسية اشتراكية ذائعة الصيت، كان يديرها محمد اليازغي.
مباشرة بعد استقرار عبد الرحمان اليوسفي بالمغرب بالصفة تلك، طالب بأن يكون هو المسؤول الاداري الأول عن جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، لكن البريني رفض التنازل عن منصبه رغم الترحيب ببقائه في الجريدة حسب تخريجة من التخريجات. فما كان منه الا أن “سمح بالجمل الا قليلا مما حمل” وتبعه ثلة من الصحافيين على رأسهم المتوفى مصطفى القرشاوي ومحمد مفيد. بالطبع، استحوذ البريني ومن معه على قسط من ريع الجريدة وسارعوا الى تأسيس جريدة جديدة باسم “الأحداث المغربية”، اختاروا لها مقرا بشارع لاجيروند بالقرب من مقار صحافة حزب التقدم والاشتراكية، قبل الانتقال بها الى شارع أميل زولا.
بالنسبة إلى الحدث الثاني، فقد شهد أطوارا غريبة ومختلفة عن أطوار الحدث الأول. عاين المتتبعون كيف ان ازاحة خيرات عن مسؤولية ادارة الجريدتين جاء كامتداد للتحديات المتبادلة بين أتباع لشكر وأتباع الزايدي الدي توفي في حادثة سير وغرق بالقرب من واد شراط. لقد استصدر لشكر قرار عزل عبد الهادي خيرات عن منصبه من اللجنة الادارية التي توافقت على أن يحل محله الحبيب المالكي. غير ان المثير في الأمر كله هو رفض عبد الهادي خيرات التنازل عن منصبه المزدوج (ادارة الجريدتين معا) بدعوى انه المالك الحقيقي لهما على اعتبار أنه أودع لدى السلطات المعنية الأوراق الثبوتية التي توثق لملكيته للجريدتين.
في نهاية هذه “المباراة” من شد الحبال بين الفريقين، تحولت ادارة الجريدتين الى الحبيب المالكي في أجواء توحي بانهزام عبد الهادي خيرات واستسلامه وهو الذي كشر عن أنيابه وتطاير الزبد من فيه أثناء حواراته مع بعض وسائل الاعلام الورقية والالكترونية محاولا الدفاع عن أحقيته في الاستمرار مديرا مسؤولا عن صحافة الحزب. هذا الموقف الذي أبان عنه خيرات جعل خصومه/اخوانه يتهمونه بالجشع وباستمراء الاستفادة من الريع الحزبي على حساب مبادئ وقيم وتوجهات طالما صدح بها المؤسسون الأوائل للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
قد تكون هذه المقارنة ناقصة اذا لم تتم الاشارة الى طارئ مأساوي مرتبط بالحدث الأول. ذلك ان عبد الرحمان اليوسفي، بعد أن تسلم زمام أمور صحافة الحزب عين الراحل محمد باهي، صاحب رسالة باريز الشهيرة، مستشاره الاعلامي. لكن باهي اعترضته عدة عراقيل نصبها له صحافيو الجريدة الذين وزعوا صفحاتها وأقسامها فيما بينهم واتخذوها قارات خاصة بهم وأصبحوا كملوك الطوائف رافضين الانصياع لقرارات المستشار الاعلامي فما كان منه، أثناء سورة غضب، الا أن حزم حقيبته ليقفل راجعا من حيث أتى. وفي طريقه الى المطار، وقعت له وعكة صحية حرجة ترتب عنها توقف قلبه عن النبض ففارق الحياة.
يظهر من هذه الواقعة الأليمة، أن اليوسفي لم يكن يملك آنذاك أية سلطة على الطاقم الصحفي العامل بالجريدة ولو أنه حل على رأسها مديرا بديلا عن البريني. وعقب موت باهي، نشر المرحوم محمد عابد الجابري رسالة مطولة يتحدث فيها عن تجربته مع الاتحاد الاشتراكي اعلاما وتنظيما وكيف أنه لو لم يقدم استقالته من المكتب السياسي سنة 1981 لكان قد وقع له ما وقع لمحمد باهي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى