ثقافة و فن

قراءة لبعض النصوص من ديوان “ضريح آنا أخماتوفا” للشاعر حسن نجمي

بقلم الناقدة زينب الحسيني
تمهيد:
ديوان”ضريح آنا أخماتوفا”
هو مجموعة قصائد وتأملات شعرية لشاعر “مهنته الأرق” يستدعي وجوه الراحلين لا بوصفهم موتى، بل بوصفهم خالدين.
يتضمن هذا الديوان، تأملات وجودية في الحياة والموت، وفي المعاناة الإنسانية بحثا عن ملاذ أمان في عالم يمور بالحروب العبثية الدائمة ويشعرنا بالقلق والبحث الدائم عن سبل عيش مستقر .
– خصائص التركيبة الفنية للقصائد:
هناك سمة عامة للنصوص سأتكلم عنها، وسوف أتوقف لاحقا عند خمسة نصوص وقع عليها اختياري هي:
١- الأثر
٢- الصورة
٣- قط الجارة
٤-قبعة الشاعر
٥- مراكش.
– السمة الفنيةالعامةللنصوص:
١- ثراء بالتكثيف الدلالي والتوصيف الإيحائي الصوري وعلى سبيل المثال:
“تمضي مزهوا
-تشرد بك الطرق
-يعرج الملاك الأبيض إلى سدرة المنتهى
٢- التكرار
٣- القصيدة عنده هي
“استدعاء حميمي لوجوه الراحلين “والشعر عنده هو مديح للغياب ورفض للخذلان، لذا هو يستخرج
من أعماق الروح آهات للقلوب المعذبة..”
كما ان بعض بعض قصائده تتكون من ثنائيات ضدية:
الموت /الحياة، الحزن /الفرح. وهي مفتوحة على تأويلات
وتداعيات بلا نهايات..
٤- سهولة اللغة الشعرية التعبيرية
التعابير بليغة مكتوبة بلغة “السهل الممتنع”
وهي مزدانة بالصور وبسرد شيق يقرب من الأقصوصة أو القصة القصيرة، لذا نلاحظ أن من الصعب تصنيف النص بشكل محدد،
وهذه أساليب فنية مستحدثة
أو ما بعد حداثية.
أما الخطاب اللغوي بشكل عام فهو يتأرجح بين التصريح والتلميح، وغالبا ما يلجأ الشاعر إلى الترميز للتأكيد على درامية الصور.
ولا يكف شاعرنا عن طرح أسئلة فلسفية حول الوجود والفناء، ويترك الإجابات معلقة للمتلقي ومفتوحة على التأويل.
سأعرض قراءة لخمس نصوص:
– المميزات الفنية في النصوص الخمسة أولها:
أ- “الأثر”
١- ثراء بالتكثيف الدلالي والتوصيف الإيحائي الصوري وعلى سبيل المثال :
-تمضي مزهوا
-تشرد بك الطرق
-يعرج ملاك أبيض إلى سدرة المنتهى.
٢-التكرار للتركيز على أهمية
الفكرة أو الكلمة:
تكرر في النص فعل “مضى”:
– “سيتبعك الموت أنى (مضيت)
– ستمضي مزهوا وتمضي وتمضي…
– وسيمضي، سيمضي، التابوت.
-اللغة: هي مكونة من تعابير بليغة بليغة سهلة المفردات، مزدانة بالصور وبسرد شيق يقرب من الأقصوصة، أما الفكرة الرئيسية فهي “الموت”، فالشاعر يقول “الموت سيتبعك أنى مضيت
وأنى وصلت”.
وفي النص حكمة تقول: إنك ستمضي …وتمضي، ولا يبقى منك إلا “الأثر” وكل من تركته من حسنات أو مآثر ..
ب- نص الصورة:
“الحياة كانت مهرجانا من الضوء والموسيقى والألوان.
القبور كانت بيضاء
والصورة كانت كبيرة مزدانة بالازهار
القبور كانت بيضاء
“كان واضحا أن ثمة موتى بجوار الحياة”
تظهر في النص فكرة “تلازم الحياة والموت” وهي من الثنائيات الضدية، وهناك فكرة فلسفية أخرى: “لعل الموتى
يظنون كما لو كنت ذهبت عنهم إلى الحياة”
ج- نص: قط الجارة
هو نص مفعم بالروح الإنسانية، القط كان يموء ومواؤه يملأ الأرجاء وصدى الأنين يحرك الأسماع…
الشاعر هنا يؤنسن القط ويتخيل ما سيؤول إليه حاله بعد موت سيدته/ولية نعمته “الجارة”، فيتخيل حزنه قائلا:
“يمكنه أن يحزن الآن
ويمكنه أن يبكي، دون أن نراه.
لغة تعبيرية شفيفة؛ سهلة ودلالية موحية في آن.
د-النص: قبعة الشاعر
النص إخباري مباشر، يصف فيه الشاعر ما يحب في الحياة فهو يقول:
الليل هو الأفضل – وأحب منتصف النهار.
تستثيرني النساء في الأمنيات
أحب الورد والعطر والخرائط.
إلى أن يقول:
وبكاء البحارة في الفادو
وكآبة آماليا رودريغيز في التسجيل العتيق.
وقد فتشت في الجوجل عن المغنية هذه، فعرفت أنها مغنية وممثلة برتغالية عرفت
باسم “ملكة الفادو” وقد كانت لها شعبية عالمية، وساهمت في انتشار موسيقى الفادو حول العالم،
يختم الشاعر النص /الحكاية
بقوله:
“لا أحب الساعات التي تدق فتكسر قلبي.:
نص كهذا برأيي هو ليس شعرا ولا يصنف نصا أدبيا، هو نص حكائي إخباري فقط.
هاء – قصيدة “مراكش”
في نص مراكش هناك إيحاءات عن يوسف بن تاشفين وعن المعتمد بن عباد الذي لقب ب”الملك الأسير” وهناك تلميح لذكر الشاعر لسان الدين بن الخطيب
الذي قصد ضريح المعتمد في “أغمات” وأنشد:
قد زرت قبرك عن طوع بأغمات
رأيت ذلك من أولى مهماتي.
برأيي أن الشاعر هنا تأثر بأغراض الشعر الغربي ما بعد الحداثي، وكتب النص هذا على شكل تلميح أو إيحاءات تاريخية، تجبر المتلقي على الكشف عنها. كما أن هذا النص لم يكتب بلغة شعرية أو أدبية، هو نص حكائي إخباري.
بعد هذه الرحلة القصيرة في هذا الجزء من ديوان الشاعر المذكور:
“ديوان آنا أخماتوفا” أراني أعيد القول إن نصوصه ليست كلها بنفس المستوى من الصياغة الادبية،
ولا تصنف كلها بأنها نصوص شعرية نثرية قياسا على التعريفات الحديثة للشعر النثري ال”ما بعد الحداثي”. لكني أقول إن باستطاعتنا تصنيفها كمادة شعرية متعددة اللوحات الدلالية التصويرية الممزوجة بأخبار وحكايات متعددة المشارب والمصادر، يجد فيها المتلقي مادة جميلة للقراءة والمتعة وتحديا صارخا شجاعا لمواجهة الموت واعتباره الوجه الآخر للوجود..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى