ما حدث ليلة عاشوراء الأخيرة بمدينة سطات هل هو مجرد انزلاق ظرفي ؟ أو شغب موسمي؟ ، ام هو تجسيد صارخ لوضع أمني مقلق بسطات أصبح يفرض نفسه بحدة، ويكشف أعطابًا عميقة لم تعد تنفع معها المساحيق الخطابية ولا تقارير التجميل الإداري.
مشاهد إحراق الإطارات، ورشق القوات بالحجارة، وترويع المواطنين، كلها ليست جديدة على عاشوراء، لكنها هذه السنة بعنف و حدة زائدة و كشفت المستور:من فوضى الشارع إلى فوضى القرار: باشا سطات يُمارس الاعتقال بلا سند قانوني (لا ننفي عليه الصفة الضبطية ) هل ولاية امن سطات و أمن مدينة سطات لم يعد قادرًا على مسايرة إيقاع التحولات الديمغرافية والاجتماعية، وبدأت الثغرات تتسع لدرجة أن ممثل السلطة الترابية الأول، الباشا، انفجر غضبًا أمام الملأ وهو يصرخ: “فين راه البوليس؟ فين لابيجي؟”.
مشهد نادر أن نرى رجل سلطة بتلك الصفة يعلن بهذا الشكل عن عجز المنظومة الأمنية التي من المفترض أن يكون السيد الباشا جزءًا من بنيتها. هذا الصراخ ليس مجرد رد فعل غاضب، لربما هو تعبير عن إحساس بالعزلة، وعن مسؤول يُدرك أنه تُرك في الميدان وحيدًا يواجه فوضى كان من الممكن تفاديها لو وُضعت الأمور في نصابها الصحيح و هناك تنسيق .
لكن، دعونا نطرح بعض الأسئلة المحرجة: هل كان تدخل الباشا، بكل انفعالاته، قانونيًا؟ هل من حقه أن يأمر بالاعتقال؟ أن يحمل ورقة بأسماء “مطلوبين” ويطالب بإيقافهم؟ هل أخبرت النيابة العامة بذلك؟ هل يمكن لممثل السلطة أن يقرر مداهمة المنازل؟ وما مدى احترام هذا السلوك لمبدأ فصل السلط ولمقتضيات المسطرة الجنائية؟ و للدستور .
بغض النظر عن نوايا الباشا، والتي لا نشك في كونها كانت مدفوعة بالحرص على أمن المواطنين، فإن سلوكه يضعنا أمام مأزق أعمق: حين تفشل المؤسسات، يلجأ الأفراد إلى حلول استثنائية، لكن هذه الحلول الفردية قد تتحول إلى فوضى قانونية بحد ذاتها، وتنتج عنها تجاوزات خطيرة قد تضعف أكثر ما تبقى من ثقة المواطن.
لقد قال الباشا ما لم تجرؤ جهات أخرى على قوله: إن الأمن غائب، وإن هناك أسماء معروفة تسرح وتمرح، وإن المدينة صارت مستباحة ليلاً، وإنه لم يعد يجد “لمن يعيط” و يصب جم غضبه على ولاية أمن سطات بسبب شغب ليلة عاشوراء.
وهذا التصريح، في حد ذاته، هو إدانة واضحة للمنظومة الأمنية ككل، كما أنه إعلان موتٍ رمزي لهيبة الدولة في مدينة كانت ذات يوم تُوصف بعاصمة الشاوية.
ما نحتاجه اليوم ليس محاكمة الباشا على “انفعاله”، بل وقفة صريحة لمراجعة البنية الأمنية للمدينة. نحتاج إلى تعزيز العنصر البشري، إلى تخطيط أمني يتماشى مع التوسع الحضري، إلى عقلانية في التوقع والتدخل، وليس فقط رد الفعل.
هناك من يعتقد أن صراخ باشا سطات كان مجرد لحظة غضب عابرة، فقد أخطأ التقدير. لقد كانت تلك الصرخة صوتًا لكل مواطن أحس بالخوف، لكل رب أسرة لم ينم ليلته، لكل أم حبست أبناءها في البيت خوفًا من بطش الشارع.
في النهاية، يبقى السؤال المؤلم: إذا كان ممثل الدولة يصرخ “أين الأمن؟”، فماذا تبقى لنا نحن؟