ثقافة و فن

ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺸﻈﻴﺔ ﻭﻓﺘﻨﺔ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ: ﺗﺄﻣﻼﺕ ﻓﻲ ﺩﻳﻮﺍﻥ “ندبة ﺃﻭﻟﻴﺲ” ﻟﺤﺴﻦ ﻧﺠﻤﻲ

ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫﺓ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺓ ﻭﺳﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﻱ/ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ

ﺣﻴﻦ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻣﺮﺁﺓ ﻟﻠﻨﺪﺑﺔ ﻭﺗﻐﺪﻭ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺟﺴﺪﺍ ﻧﺎبضا ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ ﻭﺍﻟﺨﺬﻻﻥ ﻧﺪﺧﻞ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﺴﻦ ﻧﺠﻤﻲ اﻟﺬﻱ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ يوﻗﻆ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﺳﺒﺎﺗﻬﺎ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻷﻟﻢ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ. ﻓﻲ ﺩﻳﻮﺍﻧﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ “ﺃﻭﻟﻴﺲ”، ﻻ ﻳﻜﺘﺐ حسن ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺑﻤﺪﺍﺩ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺑﻞ ﺑﻨﺒﺾ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻭﺑﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﻭﺑﻈﻞ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ. ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻌﻴﺮ أﺳﻄﻮﺭﺓ “ﺃﻭﻟﻴﺲ” ﺍﻋﺘﺒﺎطا ﺑﻞ ﻟﻴﺤﻤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻒ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﻳﻌﻴﺪ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍلتيه ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻱ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻻ ينسى ﺑﻞ يكتب ﻭتعاد ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ﻣﺮﺍﺭﺍ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻴﺮ ﻫﻮﻳﺔ ﻟﻠﻜﺎﺋﻦ ﻭﺍﻟﻜﻠﻤﺔ.
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻟﻴﺲ ﺭﺣﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺐ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍفتتان ﺑﺎﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﻤﺘﻘﻄﻊ ﻭﺗﻌﺮﻳﺔ ﻟﺒﻼﻏﺔ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﺣﻴﻦ ﺗﻌﺠﺰ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻨﺘﻬﺎ. ﻛﻞ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻫﻨﺎ ﻫﻲ ﻧﺴﻴﺞ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺆﺟﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻟﻔﺔ ﻭﺍﻟﻐﺮﺍﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻨﺒﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ تشفى. ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻄﺮ ﻭﺗﺬﻭﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺎﺽ ﻭﺑﻴﻦ ﺷﺎﻋﺮ ﻻ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ ﻣﺴﺎﺀﻟﺔ ﻟﻐﺘﻪ ﻭﻗﻠﺒﻪ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻐﻤﻮﺳﺔ ﺑﻤﻠﺢ ﺍﻷﺯﻣﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ.
ﺑﻄﻘﺲ ﺷﻌﺮﻱ ﺧﺎﻟﺺ ﻳﻜﺘﺒﻨﺎ ﻛﻤﺎ نكتبه ﻭﻳﻔﺘﺢ ﻓﻲ ﺃﺭﻭﺍﺣﻨﺎ ﺟﺮﺍحا ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺑﻌﺒﻴﺮ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﻳﺘﺮﻛﻨﺎ معلقين ﺑﻴﻦ ﺑﻬﺠﺔ ﺍﻻﻛﺘﺸﺎﻑ ﻭﻟﻮﻋﺔ ﺍﻟﻔﻘﺪ.
ﻭﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﺣﺴﻦ ﻧﺠﻤﻲ ﺑﺄﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺑﻞ يشيد ﻓﻀﺎﺀ ﻟﻐﻮيا ﺗﺘﻨﻔﺲ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﻭﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺟﻮﻫﺮﺍ ﺷﻌﺮيا ﻭﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮﺩ ﺃﺛﺮ ﺯﺍﺋﻞ. ﻭﻣﻨﺬ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﻳﺴﺘﻌﻴﺮ ﻧﺠﻤﻲ ﻗﻨﺎﻉ (ﺃﻭﻟﻴﺲ) –ﺑﻄﻞ ﺍﻷﻭﺩﻳﺴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺋﻪ ﺍﻟﻌﺎﺋﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﻣﻦ ﺗﻴﻪ ﺍﻟﺒﺤﺮ– ليحمله ﺩﻻلاﺕ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﻭﺟﻮﺩﻳﺔ ﻓﻲﺻﺒﺢ ﺍﻟﺘﺮﺣﺎﻝ ﺭﻣﺰﺍ ﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺍﻟﻨﺪﺑﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻘﻂ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺑﻞ ﺍﺳﺘﻌﺎﺭﺓ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻤﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻟﻢ ﻭﺫﺍﻛﺮﺓ ﻭﻓﻘﺪﺍﻥ.
ﻓﺎﻟﺸﺎﻋﺮ ﻻ ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﻟﻴﺤﺎﻛﻴﻬﺎ ﺑﻞ ﻟﻴﻌﻴﺪ ﺑﻨﺎﺀﻫﺎ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. “ﺃﻭﻟﻴﺲ” ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺲ ﺑﻄﻼ ملحميا ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻛﺎﺋﻨﺎ هشا ﻳﺘﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ، ﻳﻜﺘﺐ ﻣﻦ ﻋﻤﻖ ﺍﻟﻨﺪﺑﺔ، ﻭﻳﻌﻮﺩ ﻟﻴﺠﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﺰﻣﻦ. ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﺭﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻬﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺑﻌﺪﺍ ﻣﻌﺮفيا ﻭﺇﻧﺴﺎنيا ﺇﺫ ﺗﺘﻘﺎﻃﻊ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﻳﺔ ﻣﻊ ﺭﺣﻠﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮﺓ ﻭﻣﻊ ﻣﺘﻮﺍﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﺨﺴﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﺬﻛﺮﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻤﺰﻕ.
ﻭﻳﺒﺪﻭ ﺍﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﺑﺠﺴﺪ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻻ ﺑﺤﺒﺮﻩ ﻓﻘﻂ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻛﻤﺸﻬﺪ ﺣﺴﻲ ﻛﺎﻣﻞ. ﺍﺫ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻭسيطا ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﺟﺴﺪا حيا ﻳﺘﺄﻟﻢ، ﻳﺘﻠﺬﺫ، ﻳﺸﺘﺎﻕ ﻭﻳﺮﺗﺠﻒ. ﻓﺠﺎﺀﺕ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻣﺸﺒﻌﺔ ﺑﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺍﻷﻧﺜﻮﻱ ليس ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﻮﺿﻮعا ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺠﺎﺯﺍ ﻟﻠﻜﻮﻥ ﻭﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﻟﻠﻤﻌﻨﻰ. يتحول ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺍﻷﻧﺜﻮﻱ ﺇﻟﻰ ﻃﻘﺲ ﺷﻌﺮﻱ ﻭﺇﻟﻰ ﻣﺮﺁﺓ ﻳﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﺘﻜﺴﺮ ﻭﻳﺘﺒﻌﺜﺮ ﺛﻢ ﻳﻌﺎﻭﺩ التشكل ﻣﻦ ﺭﻣﺎﺩ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ.
وﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﺎ ﺗﺘﺨﺬ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻃﺎبعا ﺍﻋﺘﺮﺍفيا ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﺤﺪﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﻞ ﺗﻈﻞ مضمخة ﺑﺮﻫﺎﻓﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺸﺎﺑﻚ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﻳﻐﺪﻭ ﺍﻟﺤﺐ ﺿﺮبا ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﻭﺍﻟﺘﻮﻕ ﻭﺍﻻﻧﻜﺴﺎﺭ. ﻭﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﻭجها ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﻐﺰﻝ ﺑﻞ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ﻭﺍﻟﻐﺎﺋﺒﺔ ﻭﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻭﺍﻟﺤﻠﻢ ﻭﺍﻟﻈﻞ ﻭﺍﻷﺑﺪﻳﺔ. ﺣﻀﻮﺭﻫﺎ شبحي ﻟﻜﻨﻪ ﺍﻟﻤﺤﺮﻙ ﺍﻟﺨﻔﻲ ﻟﻜﻞ ﺍﻫﺘﺰﺍﺯ ﻟﻐﻮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﺗﻐﻴﺐ ﺇﻻ ﻟﺘﻜﺜﻒ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﺗﺘﺮﻙ ﺃﺛﺮﺍ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺮﻙ ﺍﻟﻴﺪ ﺍلندية ﺃﺛﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺰﺟﺎﺝ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩ.
ﻟﺬﺍ ﺗﺘﻜﺜﻒ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﻭﺗﺘﻨﺎﻏﻢ فتشتم ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻭتلمس ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭيسمع ﺧﻔﻖ ﺍﻷﺻﺎﺑﻊ ﻭترى ﺍﻷﻟﻮﺍﻥ ﻭﻫﻲ ﺗﻨﺴﺎﻝ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺳﻄﻮﺭ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ الذي يستثمر ﺍﻹﻳﻘﺎﻉ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺑﺬﻛﺎﺀ ﻋﺎﻝ ﺇﺫ ﺗﺘﻨﺎﻭﺏ ﺍﻟﻨﺒﺮﺍﺕ ﺍﻟﺸﺠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ﻭﺗﺘﺤﺮﻙ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻣﺜﻞ نفس ﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ يبقي ﺍﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ﺣﺎﺿﺮﺓ ﻭﻟﻮ ﻓﻲ ﺳﻄﻮﺭ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ. ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻤﺘﺰﺝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺸﻌﺮﻱ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺑﺎﻟﻮﺟﺪ ﻭﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﻨﺪﻡ ﻭﺍﻟﻌﺸﻖ ﺑﺎﻟﻐﻴﺎﺏ ﻭﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻴﺪﺍنا ﻟﻼﺣﺘﺮﺍﻕ.
ﺍﻋﺘﻤﺪ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﺴﻦ ﻧﺠﻤﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎﺀ ﺻﻮﺭﺓ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻣﻐﺎﻳﺮﺓ ﻻ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺑﻬﺎﺭ ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻲ ﺑﻞ ﺗﺘﻜﺊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺗﺠﺘﺮﺡ ﺑﻼﻏﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺴﺎﻃﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻌﺔ ﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﺧﺮﻓﺔ. ﻓﻤﻔﺮﺩﺍﺗﻪ ﻧﺎﻋﻤﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻟﺘﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﺣﻠﻢ ﺭﻃﺐ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺟﺮﺡ ﻟﻢ ﻳﺠﻒ ﺑﻌﺪ ﻭﻗﺼﻴﺪﺓ ﻻ ﺗﺼﺮﺥ ﺑﻞ ﺗﻬﻤﺲ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺘﺮﻙ ﺻﺪﺍﻫﺎ ﻃﻮﻳﻼ ﻓﻲ ﻭﺟﺪﺍﻥ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ. ﻭﻟﻌﻞ ﻗﻮﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﻬﺎﺩﺉ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟﺲ، ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﺷﻔﺔ ﻭﺍﻟﻐﻤﻮﺽ، ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﻱ ﻭﺍﻟﺴﺘﺮ.
ﻭﻳﺒﺪﻭ جليا ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻻ ﻳﻜﺘﺐ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻠﻪ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ ﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ. ﻓﺠﺎﺀﺕ ﻟﻐﺘﻪ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺨﻔﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﺮﺏ ﻓﻲ ﻧﺒﺮﺓ ﺍلجمل ﻭﻓﻲ ﺗﺪفق ﺍﻹﻳﻘﺎﻉ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻨﺢ ﻗﺼﺎﺋﺪﻩ ﺳﻤﺔ ﻏﻨﺎﺋﻴﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ “ﺍﻟﻨﻬﺎﻭﻧﺪ” ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻌﺎﻧﻖ ﺍﻟﺤﺰﻥ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺀ ﻓﻲ ﻧﺒﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ.
ﻭﻳﺒﺪﻭ ﺍﻥ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻔﺼﻮﻟﺔ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺑﻞ ﻧﺴﺠﺖ نسيجا ﺳﺮﺩيا ﺩﺍخليا خفيا ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻜﺮﺭ ﺍﻟﺜﻴﻤﺎﺕ ﻭﺗﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﺷﻔﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻠﺠﺮﺡ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﻟﻠﻐﻴﺎﺏ ﺫﺍﺗﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻳﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﻣﻦ ﺍﺭﺗﻔﺎﻋﺎﺕ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺗﺘﻔﺎﻭﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻬﻤﺲ ﻭﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﻭﺍﻻﻧﺨﻄﺎﻑ.
ﻧﺠﻤﻲ ﺷﺎﻋﺮ ﻳﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻻ يكتب ﻣﻦ ﺃﻋﻠﻰ ﺑﻞ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻻﻧﻜﺴﺎﺭ، ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻬﺸﺎﺷﺔ، ﻣﻦ ﺣﺎﻓﺔ ﺍﻟﺠﺮﺡ. ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﺰﺧﺮﻑ ﺍﻷﻟﻢ ﺑﻞ ﻳﻨﻔﺬ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩﻳﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﺍﻟﺮﻫﺎﻓﺔ. ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﺍﺓ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻨﺪﺑﺔ، ﻭﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﻭﺗﺼﻴﺮ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻣﺮﺁﺓ ﻟﻠﻈﻼﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﻠﻔﻬﺎ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﻐﻴﺎﺏ ﻭﺍﻻﻧﺘﻈﺎﺭ.
ﻭﻧﻘﺮﺃ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻣﻮﺟﻌﺔ ﺷﺠﺎﻋﺔ ﻭﺟﺮﻳﺌﺔ ﻓﻲ ﻛﺸﻒ ﻫﺸﺎﺷﺘﻬﺎ ﻭﻓﻲ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﻭﻟﻺﺑﻘﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺛﺮ. ﺇﻧﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺤﺐ، ﻭﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﺎﺭ، ﻭﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ. ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺗﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ ﺗﺘﻠﻮﻥ ﺑﺎﻷﻟﻢ ﻭﻛﻴﻒ تبقي ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻣﺸﺘﻌﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﻄﺐ ﺍﻟﺬﻛﺮﻯ. ﺇﻧﻪ ﺩﻳﻮﺍﻥ ﻳﻌﻴﺪ ﻟﻠﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺭﻭﺣﻬﺎ ﺍﻟﺸﻔﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﺮﻋﺔ ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ ﻭﺍﻟﻤﻐﻤﻮﺳﺔ ﺑﻨﺪﻯ ﺍﻟﻘﻠﺐ.
ﻭﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻻ ﺗﻘﻒ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻋﻨﺪ ﺣﺪ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺗﺄﻣﻼ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺫﺍﺗﻪ. ﻓﺎﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﻜﺘﺐ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﺪﺑﺔ ﻭﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻟﺸﻚ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺟﺪﻭﻯ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻟﻜﻨﻪ ﺭﻏﻢ ﺫﻟﻚ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﻜﻨﺔ ﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺼﻤﺖ ﺃﻭ ﻟﻔﻬﻤﻪ.
ﻓﻜﻞ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻫﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻻﻟﺘﻘﺎﻁ ﻇﻞ ﺭﺑﻤﺎ ﻇﻞ ﻭﺟﻪ ﺃﻭ ﺫﻛﺮﻯ ﺃﻭ ﺭﻋﺸﺔ ﺃﺻﺎﺑﻊ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺻﻮﺕ ﺍﺧﺘﻔﻰ ﺫﺍﺕ ﻣﺴﺎﺀ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﺑﻌﻴﺪﺓ. ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﻔﺎﺭﻗﺔ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻻ يقال ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻧﺠﻤﻲ كوﻧﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺣﻀﻮﺭﺍ ﻣﻤﺎ يقال ﻭﻣﺎ يلمح ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﺭﺳﻮﺧﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ.
ﻓﻬﻲ ﻣﺸﺒﻌﺔ ﺑﺒﻼﻏﺔ ﺍﻟﻨﻘﺺ، ﺑﻼﻏﺔ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ، ﺑﻼﻏﺔ ﺍﻟﻼﺗﻤﺎﻣﻴﺔ ﺇﺫ ﻻ ﺧﺘﺎﻡ ﻭﺍصحا ﻟﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻻ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺣﺎﺳﻤﺔ. ﻭﻛﺄﻥ ﻛﻞ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺗﻌﺒﺮ ﻣﻦ ﺿﻔﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺼﻞ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺘﺮﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺭﺟﻊ ﺍﺭﺗﻄﺎﻣﻬﺎ ﻭﺗﺘﺮﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺭﻋﺸﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﺮﻑ ﺃﻧﻪ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ. ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺍﻟﻤﺘﺴﻠﻞ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻋﻨﺪ ﻧﺠﻤﻲ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﺘﺤﺮﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﻟﻠﻘﺼﻴﺪﺓ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺰﺧﺎﺭﻑ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻌﺰﻑ ﺍﻟﻤﻨﻔﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﻭﺗﺮ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺠﺮﻭﺣﺔ.
ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﻣﺘﻮﺗﺮﺓ ﻭﻣﺰﺩﻭﺟﺔ: ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺸﻖ ﻭﺧﻴﺎﻧﺔ ﻗﺮﺏ ﻭﺍﻏﺘﺮﺍﺏ.
ﻳﻘﻮﻝ: “ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ﻟﻬﺎ ﻫﻮﺱ ﺷﺒﻖ”. ﻭﻫﻨﺎ ﻧﻠﻤﺢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﺩﺍﺓ ﻣﺤﺎﻳﺪﺓ ﺑﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﺷﻬﻮﺍﻧﻲ ﻳﺤﻀﺮ ﻭﻳﺘﺮﺍﺟﻊ، يمنخ ﻭينتزع. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﺤﺴﻲ – ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﻳﺨﻠﻖ ﻓﻀﺎﺀ ﺷﻌﺮيا ﻗﺎئما ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻧﺰﻳﺎﺡ ﻭﺍﻟﺘﺄﺟﻴﻞ ﻭﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺀ ﻭﺍﻟﺒﻮﺡ ﺍﻟموارب. ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ ﺗﺘﻬﺠﻰ ﺟﺴﺪ ﺍﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ﻭﺗﺨﺸﻰ ﻟﻤﺴﻪ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺗﺨﺸﻰ ﺍﻛﺘﻤﺎﻝ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﻷﻥ ﺍﻛﺘﻤﺎﻟﻬﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ.
أﻣﺎ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻻ ﻳﺴﻴﺮ ﺑﺨﻂ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺯﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﻱ ﻣﺘﻘﻄﻊ ﻣﺒﻌﺜﺮ ﻳﺘﺤﺮﻙ ﻭﻓﻖ ﺇﻳﻘﺎﻉ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﻭﺍﻟﻨﺪﻡ ﻭﺍﻟﺤﻨﻴﻦ. ﻭﻳﺴﺘﻌﻴﺪ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺫﻛﺮﻯ لبسقطها ﻋﻠﻰ ﻣﺸﻬﺪ ﺣﺎﺿﺮ. ﻓﻘﺪ ﻳﻠﻤﺢ طيفا ﻟﻴﻌﻴﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﻣﺸﻬﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻣﻞ ﻭﺍﻟﺒﺤﺮ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﺠﺴﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﻭﺍﻷﻧﻴﻦ. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺪﺍﺧﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺯﻣﻨﺔ ﻭﺍﻷﻣﻜﻨﺔ ﻳﻤﻨﺢ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻃﺎبعا حلميا ﻛﺄﻥ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻳﻌﺒﺮ ﺑﺤﺬﺭ ﻓﻲ ﺣﻠﻢ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﺃﻧﻪ ﻳﺸﺒﻬﻪ.
ﻭ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﻟﻢ تقدم ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻛﺎئنا ﻣﻮﺻﻮفا ﺑﻞ ﻫﻲ ﻟﻐﺰ ﻭﺣﻀﻮﺭ ﻏﺎﻣﺾ. ﻓﻬﻲ ﺗﻔﺘﺢ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻻ ﺃﺟﻮﺑﺔ ﻟﻬﺎ، ﻭﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺑﻌﺪﺍ شعريا ﻭﺭﻭحياﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ. ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻜﺎﺩ ﻧﻠﻤﺢ ﺣﻀﻮﺭﺍ ﺻﻮفيل ﻏﻴﺮ معلن ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﺍﻻﻟﺘﺤﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﻤﺎﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻭﺑﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻻﻧﻔﺼﺎﻝ ﻋﻦ ﺍﻷﻧﺎ ﻭﻓﻲ
ﺍﻟﺘﻤﺎﻫﻲ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﺃﻧﻪ ﺍﻣﺘﺪﺍﺩ ﻟﻠﺬﺍﺕ. ﻭﻫﻨﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﻱ ﻭﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﺠﺴﺪ شكلا ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺍﻟﻤﺘﺼﻮﻑ ﺣﻴﻦ ﻳﻨﺰﻉ ﻗﻤﻴﺼﻪ ﻟﻴﻠﺘﻘﻲ ﺑﺎﻟﻠﻬﻔﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ.
ﻭﻟﻌﻞ ﻣﻦ ﺃﺑﺮﺯ ﻣﻤﻴﺰﺍﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺇﺩﺧﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺥ ﺣﻤﻴﻤﻲ ﺧﺎﺹ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺻﺨﺐ ﺑﻞ ﺻﻤﺖ ﻛﺜﻴﻒ إذ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺗﺘﻨﻔﺲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻨﻔﺲ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺑﻴﻦ ﺷﻔﺘﻴﻦ. ﻟﺬلك ﻳﻜﺘﺐ ﻧﺠﻤﻲ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻛﻤﺎ تكتب ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ، ﻓﻼ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻼﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﻭﻻ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺑﻞ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﺀﺓ، ﺑﺎﻻﺭﺗﺠﺎﻑ، ﺑﺎﻟﺘﻨﻔﺲ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻭﺑﺎﻟﺘﻤﺰﻕ ﺍﻟﻬﺎﺩﺉ.
ﻓﻬﻮ ﺷﻌﺮ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ ﺭﺣﻠﺔ. ﺭﺣﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻭغياب ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭحنين ﻓﻲ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﻭﺍﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺐ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ يعاش: ﻛﻐﻤﻮﺽ ﺩﺍﺋﻢ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻙ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﺍﺭﺗﻌﺎﺷﺔ ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ. ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺗﻀﻊ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﺮﺁﺗﻪ، ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ يشفى، ﻭﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﺬﻛﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﻮﺕ، ﻭﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻫﻲ: ﻧﺪﺑﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻣﻦ ﻳﻜﺘﺐ ﻭﻣﻦ ﻳﻘﺮﺃ.
ﻭﻣﻊ ﺍﺗﺴﺎﻉ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻧﺠﺪ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻧﺺ ﻓﻴﻪ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﻠﺘﻘﻂ ﻟﺤﻈﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺃﻗﺮﺏ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﻮﻥ ﺏ”ﺍﻟﻮﺟﺪ” ﺃﻭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﺒﻬﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺤﺠﺐ، ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻭﺍﻻﺭﺗﻮﺍﺀ، ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﺐ ﻛﺤﻘﻴﻘﺔ ﺷﻌﻮﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺤﺐ ﻛﺄﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ. ﻓﻨﺠﻤﻲ ﺷﺎﻋﺮ ﻻ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻷﺛﺮ ﻭﻻ ﻳﻨﻐﻤﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺮﺩ ﺇﻻ ﻟﻴﻘﻮﺩ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻬﺸﺎﺷﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻔﺴﺪﻫﺎ ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﺑﻌﺪ.
ﺇﻥ ﻣﺎ يدهش ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻫﻮ ﺍﺗﻜﺎﺅﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺸﺎﺷﺔ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﺑﺘﺬﺍﻟﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﻓﺘﻨﺔ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﻣﻴﻠﻮﺩﺭﺍﻣﻴﺘﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺣﺴﻦ ﻧﺠﻤﻲ ﺟﺴﻮﺭﺍ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ، ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺍﻟﺼﻤﺖ، ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻭﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ، ﺑﻴﻦ ﻣﺎ يقال ﻭﻣﺎ يكتم.
ﻭﻷﻥ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺘﻤﺔ ﺍﻟﺸﻔﻴﻔﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﻓﻴﻪ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﺑﻞ ﻳﺘﺴﺮﺏ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺗﺸﻘﺎﺕ ﺍﻟﻠﻐﺔ، ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺑﻴﺖ ﺷﻌﺮﻱ ﻫﻮ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺧﺎﻓﺘﺔ ﻟﻺﺿﺎﺀﺓ ﻻ ﻟﻠﻌﺮﺽ. ﻭﺣﺘﻰ ﺣﻴﻦ ﻳﻜﺘﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻻﺕ ﻋﺮﻳﻬﺎ ﺍﻟﺠﺴﺪﻱ ﻭﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻲ، ﻳﻜﺘﺒﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺨﺸﻮﻉ، ﻻ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺘﻤﻠﻚ، ﻓﻴﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻣﻦ ﻛﻴﺎﻥ
ﻣﻠﻤﻮﺱ ﺇﻟﻰ ﻓﻀﺎﺀ ﻟﻠﺪﻫﺸﺔ، ﺇﻟﻰ ﻧﺺ ﻣﺸﻊ ﺑﺎﻟﺮﻏﺒﺔ ﻭﺍﻟﺼﻤﺖ ﻭﺍﻟﺒﻮﺡ ﺍﻟﻤﺆﺟﻞ.
ﻭﺑﻤﻮﺍﺯﺍﺓ ﺫﻟﻚ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻧﺼﻮﺹ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻣﻴﺘﺎﺷﻌﺮﻳﺔ ﺇﺫ ﻳﻜﺘﺐ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻦ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻋﻦ ﺗﻮﺗﺮ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ، ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻛﻌﺎﺷﻘﺔ ﻣﺮﺍﻭﻏﺔ ﻻ ﺗﺒﻮﺡ ﺇلا ﻋﻨﺪﻣﺎ تستدرج ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺎﻓﺔ. ﻓﻴﺘﺠﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺩﻳﻮﺍﻥ ” ﺃﻭﻟﻴﺲ” ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺤﺘﻮﻯ ﺑﻞ ﻛﻤﻮﺿﻮﻉ ﺃيضا. ﻓﺎﻟﺸﻌﺮ ﻫﻨﺎ ﻣﻌﺸﻮﻕ ﻭمعاقب، ﺣﻠﻢ ﻭﻫﻮﺱ ﻏﻮﺍﻳﺔ
ﻭﺗﻄﻬﺮ. ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﺮﺩﻩ ﺇﻟﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﻭﺗﺬﻭﻗﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻟﻠﻔﻨﻮﻥ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻭﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻞ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻹﻳﻘﺎﻉ ﻭﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭﻓﻲ ﺇﺣﺎﻻﺗﻪ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ على ﻈﻼﻝ ﺃﺳﻄﻮﺭﻳﺔ ﺃﻭ ﺗﻠﻤﻴﺤﺎﺕ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣﻀﻤﺮﺓ.
ﺇﻥ ﺗﺠﺮﺑﺔ “تبدو ﺃﻭﻟﻴﺲ” ﺗﻀﻊ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺃﻣﺎﻡ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻻ ﺗﺮﻛﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪ ﻭﻻ ﺗﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻠﻤﺄﻟﻮﻑ. ﺇﻧﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺗﺘﺴﻠﻞ ﻻ ﺗﻘﺘﺤﻢ، ﺗﻐﻤﺲ ﻗﺎﺭءها ﻓﻲ ﻟﻐﺘﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻐﻤﺲ ﺍﻟﻨﻬﺮ ﺯﻭﺍﺭﻩ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻛﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ. ﻓﻬﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻻ ﺗﻜﺘﻤﻞ ﺇﻻ
ﺑﺎﻟﺘﻮﺭﻁ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺑﺎﻻﻗﺘﺮﺍﺏ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻜﺴﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻟﺘﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﻛﺎﺋﻦ ﺁﺧﺮ: ﺃﻗﻞ صخبا، ﺃﻛﺜﺮ ﻭجعا ﻭﺃﺑﻘﻰ ﺃﺛﺮﺍ، ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺷﺎﻫﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﻧﻀﺞ ﺷﻌﺮﻱ، على ﻭﻋﻲ ﺟﻤﺎﻟﻲ ﻳﻨﺪﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻭﻳﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺣﺴﻦ ﻧﺠﻤﻲ ﻻ ﻳﻜﺘﺐ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ تمرينا ﻟﻐﻮيل ﺑﻞ ﻛﻔﻌﻞ ﻭﺟﻮﺩ ﻭﻛﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺧﻼﺹ ﺷﻌﺮﻱ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻓﻘﺪ ﺑﻮﺻﻠﺘﻪ. ﺇﻧﻬﺎ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺗﻤﺸﻲ ﺑﺤﺬﺭ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻧﺪﺑﺔ ثمة جمالا دفينا ﻻ يرى ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ.
ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﺩﻳﻮﺍﻥ “ﺃﻭﻟﻴﺲ” ﻟﻴﺴ ﻧﺼﻮصا ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ﺑﻞ هو ﻛﻴﺎﻥ ﺷﻌﺮﻱ ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ ﻳﻨﻬﺾ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻨﺔ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ ﻭﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺃﻟﻢ ﺍﻟﺬﻛﺮﻯ. ﺩﻳﻮﺍﻥ يقرأ ﻣﺮﺓ ﻭيستعاد ﻣﺮﺍﺕ ﻷنه ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻻ ﻳﺸﺒﻪ ﺇﻻ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻻ ﻳﻘﻮﻝ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺰ ﺍﻟﺼﻤﺖ ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻪ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻀﻲ ﺑﻨﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﺴﻦ ﻧﺠﻤﻲ ﻋﺒﺮ ﻧﺪﺑﺔ ” ﺃﻭﻟﻴﺲ” ﻓﻲ ﺭﺣﻠﺔ ﻻ ﺧﺮﺍﺋﻂ ﻟﻬﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻭﻻ ﺯﺍﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﺪﻫﺸﺔ. ﻭﺗﺒﻮﺡ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺡ ﻣﺆﺟﻠﺔ ﻭﺃﺷﻮﺍﻕ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺍﻓﺬ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ. ﻓﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ﻻ ﻧﺠﺪ ﺷﺎﻋﺮﺍ ﺑﻞ ﻋﺎشقا ﻟﻠﻐﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻨﺰﻑ، ﻧﺎسكا ﻓﻲ ﻣﻌﺒﺪ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻳﺘﻠﻮ ﺻﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻭﻳﻜﺘﺐ ﻧﺸﻴﺪﻩ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺭﻣﺎﺩ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ.
ﻭﺍﺧﻴﺮﺍ، أعاد ﺩﻳﻮﺍﻥ” ﺃﻭﻟﻴﺲ ” ﻟﻠﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺭﻭﻧﻘﻬﺎ ﺍﻟﺤﺴﻲ ﻭﻓﺘﻨﺘﻬﺎ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺴﺎﻃﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ يقاب ﺇﻻ همسا. ﻭﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﻳﺰﺩﺣﻢ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻀﺠﻴﺞ، ﻳﺄﺗﻲ ﺻﻮﺕ ﺣﺴﻦ ﻧﺠﻤﻲ مشبعا ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻴﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ ما ﻳﺰﺍﻝ ﻗﺎﺩﺭﺍ على ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻼﺫﺍ ﻭﺟﺮحا ﺟﻤﻴﻼ ﻻ ﻧﺮﻳﺪ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﺪﻣﻞ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى