بقلم: حميد قاسمي
في قلب الهامش، حيث تمتد الأراضي القاحلة وتغيب أدنى شروط العيش الكريم، يقع دوار الجبابرة، التابع لجماعة سكورة الحدرة بإقليم الرحامنة.
جئت زيارة عائلية، لم أكن أظن أنها ستتحوّل إلى تجربة مؤلمة مع وعكة صحية المت بي بشكل مُفاجئ، تجربة تختزل حجم المعاناة اليومية التي يعيشها سكان هذه المنطقة المنسية من المغرب العميق.
لم أكن بحاجة إلى من يدلّني على مستوصف، أو طبيب، أو حتى صيدلية، فالجواب معروف سلفًا: لا شيء من ذلك متوفر. في هذا الدوار، يتعايش السكان مع الإهمال الصحي المطلق، ويواجهون المرض بأساليب تقليدية لا تليق بإنسان في القرن الحادي والعشرين. ماء ممزوج بالخل، شاي محمص، أو أعشاب برية… هذه هي أدوات العلاج الوحيدة المتاحة، رغم ما قد تسببه من مضاعفات ومخاطر.
الطرقات غير معبدة، وسيارات الإسعاف لا وجود لها، والخدمات الطبية غائبة تمامًا. كل هذا في منطقة تشهد انتشارًا خطيرًا للعقارب ولسعاتها السامة، دون أن تتوفر حتى على أمصال مضادة. في هذا الواقع القاتم، يطرح السؤال نفسه بمرارة: هل نحن فعلاً في مغرب سنة 2025؟ أم أننا ما زلنا نرزح تحت وطأة الإقصاء والنسيان؟
أما المنتخبون المحليون، أولئك الذين يطرقون الأبواب مع كل استحقاق انتخابي، واعدين بمشاريع وأحلام، فإنهم سرعان ما يتوارون عن الأنظار بعد نهاية الحملات، تاركين وراءهم واقعًا بئيسًا، وبنية تحتية متهالكة، واحتياجات صحية لم تجد من يصغي لها.
وإذا كانت الحكومة قد جعلت من العدالة المجالية وتعميم التغطية الصحية شعارات أساسية في برامجها، فإنها مدعوة اليوم إلى النزول من أبراجها والاقتراب من دوار الجبابرة، بل ومن مئات الدواوير الأخرى التي تشبهه في معاناته، والتي لا تزال تنتظر حقها من التنمية والكرامة.
هل يُعقل أن تظل ساكنة هذا الدوار خارج حسابات الدولة، لا بصفتهم مواطنين كاملي الحقوق، بل فقط كأرقام تُحصى كل عشر سنوات في موعد الإحصاء أو كأوراق تُستغل وقت الانتخابات؟
المطلب بسيط وواضح: مستوصف صحي مجهز، طريق معبدة، نقطة إسعاف دائمة، ومصل مضاد للسعات العقارب. ما يعيشه دوار الجبابرة وغيره من المناطق المهمشة ليس مجرد مسألة محلية معزولة، بل هو مرآة تعكس مدى صدقية الخطابات الرسمية حول التنمية والعدالة الاجتماعية.
فهل من مجيب؟