عزيز الحنبلي -تنوير
ليست المشكلة في إلغاء مهرجان برشيد الصيفي لسنة 2025، بل في الطريقة التي تم بها هذا الإلغاء، وفي ما كشفه من فوضى تدبيرية، واستخفاف حقيقي بمبدأ المسؤولية، سواء من طرف المجلس الجماعي أو الجمعية المنظمة.
حين تتحول جمعية لا تعقد جموعها العامة، ولا تقدم تقاريرها الأدبية والمالية، ولا تجدد مكتبها، إلى الجهة التي يُرهن بها تنظيم مهرجان سنوي لمدينة بحجم برشيد، فاعلم أننا لسنا أمام تظاهرة ثقافية، بل أمام مسرحية هزلية عنوانها: “من يتحكم فعلاً في القرار العمومي؟”
ما وقع هذه السنة يعيدنا إلى جوهر الأزمة: غياب الشفافية، والتهاون في تطبيق القانون، والتساهل مع من لا يحترم قواعد العمل الجمعوي. بل الأخطر من ذلك، هو صمت المنتخبين عن هذا الخلل، وكأن لا أحد فيهم تهمه فعلاً مصلحة المدينة أو كرامة ساكنتها.
ثم نسمع تبريرات من قبيل أن “المجلس وفّر الميزانية، لكن الجمعية تعاني مشاكل داخلية”. عذر أقبح من ذنب. فالمهرجان لا ينبغي أن يكون رهيناً بمزاج جمعية فقدت شرعيتها القانونية، ولا أن يبقى مصيره معلقاً حتى آخر لحظة. ما الذي كان يمنع المجلس من التدخل مبكراً، وتفعيل آليات الرقابة، والبحث عن بدائل؟ أم أن الأمر كله لا يعدو أن يكون صفقة مغلقة لا يُراد لها أن تُفتح على العلن؟
لكن المشكلة أعمق. إنها ليست فقط أزمة مهرجان، بل أزمة نمط كامل من التدبير المحلي، حيث يختلط العمل الجمعوي بالمصالح الخاصة، وتُمنح الأموال العمومية بلا حسيب، ويُصنع من “العمل التطوعي” باب خلفي للاغتناء.
نعرف جميعاً أسماء بعينها في برشيد، راكمت ثروات خيالية تحت غطاء “العمل الجمعوي”، وتمكنت بذكاء من اللعب على الحبلين: دعم المجلس من جهة، والتغني بشعارات “الثقافة والفن والتنمية” من جهة أخرى. بينما الواقع شيء آخر: لا ثقافة، ولا تنمية، بل صفقات في الخفاء وتوزيع “الغنيمة”.
وما يثير الغثيان أكثر، هو أن كثيراً من هذه الممارسات تمرّ تحت أنظار الجميع، ومع ذلك، لا مساءلة، ولا افتحاص، ولا قرار حازم. وكأننا نعيش في مدينة لا قانون فيها، ولا ذاكرة.
إن مهرجان برشيد، الذي كان من المفترض أن يكون موعداً سنوياً للاحتفال والتلاقي، أصبح مناسبة أخرى لفضح سوء التسيير، وغياب الإرادة السياسية، واختلال العلاقة بين المجلس والجمعيات. ومرة أخرى، تُدفع الساكنة ثمن فوضى لا يد لها فيها، ولا رأي لها في تفاصيلها.
ختاماً، لعلّ ما نحتاجه اليوم في برشيد، ليس فقط مهرجاناً جيد التنظيم، بل ثقافة سياسية جديدة، تقوم على الشفافية والمحاسبة، وعلى احترام القانون لا التحايل عليه. فمدينة لا تستطيع تنظيم مهرجان بشفافية، لن تستطيع أبداً بناء مشروع تنموي حقيقي.
وإلى أن يتحقق ذلك، سنبقى نضحك – كما قال أحدهم – على هذه الوقائع، لأن الغضب يؤدي إلى المرض… والمرض إلى الموت.