افتتاحية

القضاء الفرنسي يُعيد فتح ملف اختفاء المهدي بن بركة: هل تقترب ساعة الحقيقة بعد 60 سنة من الغموض؟

 عزيز الحنبلي-تنوير

بعد مرور ستة عقود على اختفاء المعارض المغربي البارز المهدي بن بركة في قلب العاصمة الفرنسية باريس، قررت السلطات القضائية الفرنسية إعادة فتح هذا الملف الشائك الذي لا يزال يثير الكثير من التساؤلات داخل الأوساط السياسية والحقوقية. ففي 29 أكتوبر من سنة 1965، اختُطف بن بركة أمام مقهى “ليب” الشهير، ولم يُعثر له على أثر منذ ذلك الحين، فيما ظل مصيره مجهولًا رغم تعاقب الحكومات وتوالي المطالبات بكشف الحقيقة.

الملف، الذي فتح رسميًا عام 1975، شهد خلال السنوات الماضية ركودًا كبيرًا في مسار التحقيق، إلى أن تم مؤخرًا تعيين قاضية تحقيق جديدة أبدت، وفق ما أعلنه البشير بن بركة، نجل الزعيم الراحل، اهتمامًا واضحًا بإعادة دراسة الوقائع من جديد. وقد تم الاستماع للبشير الأسبوع الماضي بعد انقطاع دام ست سنوات، في جلسة وصفها بأنها كانت “مهمة ومليئة بالأمل”، مشيرًا إلى أن القاضية أبدت استعدادًا حقيقيًا للتعمق في دراسة آلاف الوثائق وإعادة استجواب شخصيات وردت أسماؤها في مراحل سابقة من التحقيق.

وتأتي هذه الخطوة في وقت يعتبر فيه العديد من المتتبعين أن عامل الزمن قد يتحول من عائق إلى فرصة، حيث إن المسافة التاريخية تتيح قراءة أكثر تحررًا من الضغوط السياسية والأمنية التي كانت تحيط بالقضية في سنواتها الأولى. ويأمل المدافعون عن الحقيقة أن تؤدي هذه الدينامية الجديدة إلى الكشف عن معطيات جديدة حول الجهات المتورطة في الجريمة، خاصة في ظل الاتهامات القديمة الموجهة إلى أجهزة استخبارات مغربية وفرنسية، إلى جانب إشارات إلى دور محتمل لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي.

وتجدر الإشارة إلى أن غياب جثة بن بركة لا يزال يمثل العقبة الكبرى أمام تحديد طبيعة الجريمة وظروفها الدقيقة. فالروايات المتداولة، من بينها تلك التي تتحدث عن إذابة الجثمان في الحمض، لم تجد أي تأكيد رسمي، فيما ظل الصمت يلف شهادات رئيسية اختفت إما بوفاة أصحابها أو بتقادم الوقائع. كما أن السلطات الفرنسية وُجهت لها مرارًا اتهامات بالتستر على معطيات مهمة، من خلال رفض رفع السرية عن وثائق يُعتقد أنها تحتوي على خيوط حاسمة.

ويُنتظر أن تفضي المرحلة الجديدة من التحقيق إلى استدعاءات جديدة وربما تفعيل تعاون قضائي دولي، في حال ما إذا اقتضت الضرورة الاستماع إلى شخصيات أجنبية أو طلب وثائق من جهات خارجية. وبين الأمل في الحقيقة ومرارة الانتظار، تبقى قضية بن بركة جرحًا مفتوحًا في الذاكرة السياسية المغربية والفرنسية، واختبارًا حقيقيًا لعدالة طال انتظارها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى