وجهة نظر

الدروز بين أمريكا وإسرائيل، والخرائط الجديدة للمنطقة -د.محمد أكديد

 

يبدو أن هوة الخلاف حول مستقبل سوريا بين من تآمر عليها من اللاعبين الإقليميين والدوليين قد بدأ يتسع شيئا فشيئا في ظل تناقض الرؤى والمشاريع التي يرنو إلى تنزيلها كل طرف وفق أجنداته الخاصة..حيث شكلت الأحداث المؤسفة في السويداء محطة فارقة كشفت عن هذا التناقض خاصة بين إدارة ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو..فالمشروع الأمريكي
يراهن على تقوية الجولاني وهيمنة طيفه (السني) التكفيري على البلد من أجل توظيفه لمواجهة محور المقاومة في المنطقة بعض النظر عن التضحيات والتكاليف، في حين يعتبر عدد من المسؤولين والقادة في الكيان الصهيوني بأن أي تخل عن الدروز في السويداء سيخلق له مشكل داخلية قد تكون لها ارتدادات خطيرة خصوصا داخل مؤسسة الجيش خاصة وأن عددا منهم يشغل فعلا مناصب قيادية داخل الجيش الإسرائيلي..

وقد تصاعدت فعلا نقمة الدروز على نتنياهو في الإعلام الإسرائيلي لسماحه بدخول قوات الجولاني إلى السويداء مما أسفر عنه ارتكاب مجازر ضد الدروز..وهو ماعزاه بعض المراقبين إلى مخرجات اتفاق باكو بأذربيجان حيث التقى الشرع على الأقل في اجتماع واحد مع مسؤولين صهاينة حسب ماتناقلته عدد من المنابر الإعلامية من داخل الكيان..

السيناريو الآخر لنتنياهو والأكثر خبثا، إذ يخالف تعهدات إسرائيل بحماية الدروز، هو استخدامهم في هذه اللعبة كحصان طروادة لضم المزيد من أراضي الجنوب السوري مما يواكب التطلعات التوراتية في تنزيل مشروع إسرائيل الكبرى التي يراهن مهندسوها داخل حكومة اليمين المتطرف التي تقود الكيان اليوم على الفوضى والاقتتال الطائفي داخل سوريا والبلدان العربية..ولأجل ذلك بات الجولاني وحكومته الطائفية الأقرب إلى أهداف ورهانات اسرائيل من أي جهة أخرى لتنفيذ أجنداتها بالمنطقة، من حيث أن نزعاتهم الطائفية الدموية وتاريخهم الإرهابي ضد الأقليات الدينية و المذهبية عندما كان معظمهم مع القاعدة والنصرة وداعش وباقي الجماعات التكفيرية تناسب طموحات قادة الكيان ورؤيتهم التوسعية، خاصة وأن الجولاني أو أحمد الشرع وعدد من المسؤولين في حكومته قد جلسوا فعلا مع مسؤولين صهاينة في مناسبات مختلفة فضحها الإعلام العبري والعربي، كما تواترت أنباء عن موافقتهم على شروط الكيان وأمريكا في مقابل تثبيت دعائم دولتهم في سوريا، خاصة في ظل تصاعد الاحتقان داخل عدد من مكونات الشعب السوري خصوصا من العلويين والشيعة والأكراد واليوم الدروز بسبب التجاوزات الطائفية والإقصائية لماسمي بالأمن العام الذي بات مشكلا بجانب الجيش السوري من عدد كبير من المقاتلين الأجانب الذين تم إدماجهم رسميا بعد تردد كبير من طرف إدارة ترامب لخدمة أهداف أخرى لعل من أكثر وضوحا لحد الآن هو حصار حزب الله في لبنان والضغط عليه لتسليم سلاحه تزامنا مع الضغط الداخلي، حيث يتم إعداد الجولانيين على قدم وساق على الحدود اللبنانية السورية للهجوم على حاضنته الشعبية ومواقعه في حال رفض الحزب تسليم السلاح، وهو السيناريو المعد غالبا للبنان خاصة بعد تصريحات توماس باراك الصادمة، والتي بدأها بالحديث عن سايكس بيكو سابقاً ووصفها بالخطأ التاريخي قبل أن يعود إلى طرح مصطلح بلاد الشام الذي يقتضي إزالة دولة لبنان، وما رافق هذه التصريحات من إجراءات قامت بها حكومة الجولاني بمنح الفلسطينيين الجنسية السورية تمهيدا لضرب حق العودة الذي يشكل أحد مقومات الدولة الفلسطينية التي يبدو أنها صارت أيضا في خبر كان مع كل هذا الإجهاز على المقاومة والتواطئ الذي انخرطت فيه أيضا دول عربية وإسلامية، مما يضع المنطقة أمام خرائط جديدة يجري ترتيبها على قدم و ساق بين الأمريكي والإسرائيلي والتركي أيضا الذي لازال يحتفظ بأطماعه في المنطقة خصوصا في سوريا بعد سقوط النظام الذي كان يكبح جموحه..

د.محمد أكديد
باحث في علم الاجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى