عبد الحق غريب
لا أستغرب حضور “جاكي كدوش”، ممثل الطائفة اليهودية بمنطقة مراكش آسفي، في ندوة فكرية نظمتها أكاديمية لحسن اليوسي، الذراع الثقافي والفكري لحزب الحركة الشعبية، مساء الخميس 17 يوليوز 2025 بفندق الرباط.. لا أستغرب ذلك لأن الحزب يبارك التطبيع ويدافع عنه بشكل واضح وصريح.
ولا أستغرب أيضا حضور محمد أوزين وقياديين بالحزب، ولا مشاركة محمد الفيزازي، الذي عبّر في أكثر من مناسبة عن استعداده لزيارة الكيان الصهيوني.. ولا حتى حضور شخصيات أخرى.
ما يثير الاشمئزاز والاستغراب حقا، هو السماح لممثل الطائفة اليهودية بنفخ “الشوفار”، ذلك الرمز الديني التوراتي ذو الحمولة الأيديولوجية العميقة في عقر دارنا، وفي قلب العاصمة وأمام شخصيات سياسية ودينية، وفاعلين مدنيين وحقوقيين.
فنفخ “الشوفار” ليس أداء فولكلوريا بريئا، بل طقس ديني مرتبط بالتوراة وبعقيدة “المسيّا المنتظر”، ويُوظف تقليديا للإعلان عن “بداية الخلاص” وبعث مملكة إسرائيل الكبرى… أرض الميعاد من النيل إلى الفرات.
ما هو “الشوفار” ؟
الشوفار (Shofar) هو بوق مصنوع من قرن كبش، أو أحيانا من قرن حيوان آخر طاهر حسب الشريعة اليهودية، يُستخدم في مناسبات دينية خاصة.
ويُعد أيضا رمزا لإعلان مجيء “المسيّا المنتظر”، وبداية الأحداث الأخيرة في الرؤية اليهودية التقليدية.
من هو “المسيّا المنتظر”؟
هو شخصية محورية في العقيدة اليهودية، يُعتقد أنه ملك بشري من نسل داوود، سيرسله الله في آخر الزمان ليقود اليهود، ويعيد تأسيس مملكة إسرائيل، ويقيم العدل والسلام..
مهم
إن ممارسة هذا الطقس داخل فضاء سياسي مغربي، وتحت أنظار قيادات حزبية وشيخ من شيوخ السلفية، يشكل تطبيعا ثقافيا صريحا، يتجاوز العلاقات الدبلوماسية إلى ترويج ناعم لرموز دينية وأيديولوجية صهيونية، في تجاهل مستفز لذاكرة المغاربة وقضيتهم المركزية، ألا وهي فلسطين.
إنها محاولة لاختراق الوجدان الجماعي، وتطبيع الوعي، وشرعنة حضور كيان استعماري غاصب عبر البوابة الرمزية والدينية… وهي أخطر مراحل التطبيع، خاصة في ظل المجازر اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من قتل وتجويع وتهجير قسري في غزة والضفة، وسط صمت النخب التي اختارت الاصطفاف مع الجلاد.
ما حدث في فندق الرباط بالعاصمة لا يبدو مجرد صدفة أو مبادرة معزولة، بل يندرج ضمن سياق مدروس يراهن فيه بعض السياسيين على تمرير رسائل “تطبيعية” موجهة، أملا في كسب دعم جهات خارجية وتحسين تموقعهم في المشهد الانتخابي المقبل، حتى وإن كان الثمن هو اللعب على أوتار الرمزية الدينية الصهيونية في بلد له ذاكرة نضالية حية.. وهو ما لا يمكن اعتباره مجرد انحراف عابر، بل انزلاق خطير يُفرّط في رصيد وطني مشترك مقابل مكاسب سياسية ضيقة.
زر الذهاب إلى الأعلى