اخرى

العالم القروي وسؤال التنمية – إقليم قلعة السراغنة نموذجا –

إن المتتبع للشأن العام، وهو يستمع لخطاب الحكومات المتتالية حول قضايا العدالة الاجتماعية، وتقليص الفوارق المجالية، والنهوض بالعالم القروي … وهو يطلع على محاور وأهداف البرامج الكبرى للدولة ذات البعد الاجتماعي و الإقتصادي الموجهة للوسط القروي، والتي بلغت كلفتها مليارات الدراهم، ما بين تمويل حكومي وآخر دولي، منها برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ( INDH)، و برنامج دعم تنمية العالم القروي ( PADER) ، و برنامج التنمية القروية ( PDR) و برنامج الجيل الأخضر 2020 – 2030 ، وقبله المخطط الأخضر … وغيرها من البرامج والمشاريع المرتبطة بها كمشروع ( كهربة العالم القروي ، الماء الشروب، الطرق والبنية التحتية، خلق فرص الشغل، تحسين دخل الساكنة، وأخرى على مستوى التعليم والصحة …) لا يسع المجال هنا لذكرها كلها، والتي يفترض فيها أن تساهم في توفير البنية التحية والخدمات الأساسية، وتطوير التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن تحسين مستوى عيش الساكنة وتحقيق كرامتها. وهو يقف عند كل هذا سيخيل إليه أن الناس يعيشون هناك حياة الرفاه والترف.

إلا أن نزول المرء إلى واقع العالم القروي، بعيدا عن لغة الخطاب الرسمي و الأرقام التي غالبا ما تكون مضللة، يجعله مصدوما مما يراه من تناقض صارخ وتباين فاضح لا تخطئه العين، حيث لا تكاد تجد أثر لكل مليارات هذه البرامج على الواقع، ولا أثر للشعارات والداعايات التي ارتبطت بها.
وهنا سأقف عند حالة إقليم قلعة السراغنة نموذجا، علما أن الواقع والسياق هو نفسه بعدد من المناطق الأخرى .

إذ تعيش ساكنة هذا الإقليم وضعا صعبا للغاية على كافة المستويات، ولا تكاد تجد أثرا مباشرا للبرامج أعلاه على حياة الناس هناك.

هذا الفشل في الفعل السياسي و الإداري وعلى مستوى التدبير، نلمسه بوضوح في الواقع الاجتماعي و الإقتصادي لأغلب ساكنة الإقليم.

– فبخصوص السياسة الصحية، نسجل المعاناة الكبيرة جدا لساكنة الإقليم، وكأننا نعيش في حالة حرب لا في حالة سلم، حيث العدد القليل للبنايات والمؤسسات الصحية والضعف الكبير للموارد البشرية والنقص الحاد في الأجهزة والأدوية، لا يتناسب إطلاقا مع النمو الديمغرافي الكبير والانتشار العمراني الواسع على مستوى الإقليم، ما يستحيل معه تلبية حاجيات الساكنة، و يجعلها في الغالب مجرد نقطة عبور إلى المشتسفى الإقليمي السلامة، والذي هو الآخر كثر الحديث بشأنه مؤخرا، كونه لم يعد مؤسسة صحية عمومية تقدم خدمات تراعي معايير الصحة والسلامة والكرامة لمواطني الإقليم، ما يجعله أيضا مجرد محطة لتوجيه المرضى، إما للقطاع الخاص أو إلى المستشفى الجامعي بمراكش.

– مشكل الماء بالإقليم، الذي ينذر بكارثة إنسانية لا محالة، حيث تتفاقم الأزمة سنة بعد أخرى، مع توالي سنوات الجفاف، وقلة التساقطات، واستنزاف الفرشة المائية، وضعف تفاعل المسؤولين على مستوى التخطيط والتدبير قصد التدخل الفعال لمعالجة الأزمة بشكل جدري، ضمانا لحق لساكنة الإقليم ولحقوق الأجيال القادمة.
وهنا أتحدث عن الحق في الماء بشكل عام ( ماء الشرب والاستعمال والسقي …) ولا يسع المجال إلى ذكر التأثير البالغ لهذا المشكل على الحياة العامة للناس.

– كهربة العالم القروي، إذ هناك عدد كبير من الأسر بالإقليم تعاني نتيجة غياب الكهرباء ( جماعة الصهريج فقط حوالي 165 أسرة بدون كهرباء ) ونحن في سنة 2025. لكم أن تتخيلو حجم المعاناة، وكلنا نعلم أن حياة الناس اليوم مرتبطة بشكل وثيق بالكهرباء واستعمالاته المتعددة والضرورية.

هذا إلى جانب مشاكل أخرى كالمرتبطة بالتعليم والتي لا تعد ولا تحصى، والبطالة المرتفعة بشكل مخيف بالإقليم وانسداد الأفق خاصة بالنسبة للشباب حاملي الشواهد العليا، و المشاكل البيئية الخطيرة، وضعف البنية التحية و الطرقات، وغياب فضاءات للتكوين والترفيه وملاعب قرب عمومية… وغيرها.

مع الأسف لا يسع المجال هنا للوقوف عند كل مشاكل الإقليم، توصيفا وتحليلا، ولكن سأحاول القيام بهذا مستقبلا ما استطعت لذلك سبيلا.

الواقع لا يرتفع: إن تجليات الواقع تسائل السياسات العمومية للحكومات المتتالية في علاقة بكل برامجها ومشاريعها ذات الصلة بالعالم القروي، كما تسائل السلطات المحلية والإقليمية، والمنتخبون بمختلف المؤسسات الانتدابية، عن فشلهم في الترافع عن الإقليم وعن قضايا وانشغالات ساكنيه.

سعيد الفاضلي فاعل سياسي حقوقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى