اخبار جهوية

العرائش… حين تفيض الكأس

بقلم: زكرياء أبو النجاة

العرائش، المدينة الحالمة بين البحر والنهر، لم تعد قادرة على إخفاء جراحها. فما جرى أخيرًا في مدينة العرائش، وخاصة ما يتعلق بمشروع الشرفة الأطلسية، لم يكن مجرد حادث عرضي في سياق مشهد عمراني أو بيئي، بل كان النقطة التي أفاضت الكأس، وأعادت إلى السطح أسئلة قديمة عن التهميش والإقصاء والنسيان الذي تعيشه هذه المدينة العزيزة على قلوبنا، المنكوبة بسياسات لم تنصفها لسنوات طويلة.

العرائش، هذه المدينة الأنيقة المطلة على المحيط، تحمل في طيّاتها تاريخًا عريقًا، وموقعًا استراتيجيًا لا يقلّ أهمية عن باقي المدن الكبرى، بل قد يفوقها في بعض المقاييس الجغرافية والثقافية. ومع ذلك، ما تزال تعاني من التهميش، من ضعف البنية التحتية، ومن غياب رؤية تنموية حقيقية تجعل منها مدينة منفتحة على المستقبل.

لقد أظهرت النقاشات الأخيرة، والاحتجاجات المدنية الواسعة، أن الرهان لم يعد فقط على تهيئة واجهة بحرية، أو ترميم منحدر طبيعي، بل أصبح أعمق من ذلك. هو رهان على حق العرائش في الإنصاف المجالي، في العدالة البيئية، في الانتماء إلى الحاضر والمستقبل.

في ظل هذا التهميش، تلوح فرص واعدة ضمن أوراش وطنية كبرى، أبرزها الاستعداد لكأس العالم 2030، والذي سيكون مناسبة لتأهيل المدن الكبرى كمراكش، الدار البيضاء، فاس، الرباط، وطنجة. وإذا كنا نطمح لتوزيع ذكي ومتكامل لآثار هذه الدينامية، فإن مدينة العرائش يجب أن تكون جزءًا من هذه المعادلة.

إن قرب العرائش من طنجة – المدينة التي ستلعب دورًا رئيسيًا في الحدث العالمي المرتقب – يمنحها موقعًا استراتيجيًا مهمًا لتكون داعمًا لوجستيًا وسياحيًا، شريطة تأهيل بنيتها التحتية. إذ لابد من إعادة الحياة إلى خط السكك الحديدية الذي يربط المدينة، وتوسيع وتحديث المحاور الطرقية المؤدية إليها، وتمكينها من استقبال الزوار من خلال تأهيل وحداتها الفندقية، وترميم مآثرها التاريخية التي تشهد على غناها الحضاري.

كما تحتاج المدينة أيضًا إلى إصلاح شامل للطرقات داخل مجالها الحضري، وتجديد بنيتها التحتية بما يتماشى مع حاجيات ساكنتها وزوارها، فضلًا عن إعادة تشغيل وسيلة “الباطو”، أي القوارب التي كانت تقل الناس من ضفة إلى أخرى، لكن هذه المرة في إطار دفتر تحملات يحترم المعايير السياحية والخدماتية العالية، ويجعل من هذه الوسيلة عنصرًا جاذبًا، وليس فقط خدمة نقل بسيطة، مما يعزز من جاذبية المدينة ويربط ضفتيها بحيوية مدروسة ومتناغمة مع طابعها الطبيعي والتاريخي.

لقد سبق للاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” أن أشار إلى محدودية الطاقة الاستيعابية لطنجة، ما يجعل من تعزيز المدن المجاورة ضرورة وليس ترفًا. والعرائش، بطبيعتها وهدوئها وموقعها، قادرة أن تكون الوجهة الرديفة المثلى.

إن ما تحتاجه العرائش اليوم، ليس فقط تنديدًا بما جرى، بل تعبئة واسعة من أجل مستقبل أفضل. فالنقاش الذي تفجر على خلفية الشرفة الأطلسية، هو نقاش استراتيجي عن تموقع المدينة في السياسات العمومية، وعن حقها في الاستفادة من الأوراش الكبرى، وفي التحرر من العزلة والإهمال.

لكي تبدأ مدينة العرائش مسار الإنصاف الحقيقي، فإن من شأن زيارة ميدانية من السيد والي جهة طنجة تطوان الحسيمة أن تفتح أعين المسؤولين المحليين على حجم الإكراهات والاختلالات، وتسهم في تحريك عجلة الإصلاح. كما أن المدينة وساكنتها سييعدان، بأن تحظى هذه المدينة العزيزة بزيارة من الملك محمد السادس شفاه الله وعفاه، لما لمثل هذه الزيارات من أثر بالغ في تغيير ملامح المدن، وإطلاق ديناميات تنموية تعيد الثقة والأمل للسكان، بعد أن أفقدهم إياها مسؤولوها الترابيون الحاليون.

إن العرائش لا تطلب أكثر من حقها في الحلم، وحقها في أن تكون جزءًا من الوطن المتقدم، المتوازن، والمنصف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى