لا يتردد علماء المجالس العلمية في الصدح بموقفهم “المبدئي” والثابت الذي يسندونه بكل العلم الراسخ في صدورهم كلما تعلق الأمر بالمطالبة بإصلاح أوضاع الأسرة اعتمادا على مبادئ الإنصاف والعدل والمساواة…
في دفاعهم عن تصوراتهم الخاصة جدا علاقة بالأسرة و”توازنها”، يصولون ويجولون ويجهرون ويغضبون و”يكشكشون” مؤكدين تشبثهم بكلام الله وبالوحي المنزل وبالرفض القاطع لتدخل أي واحد من غير ذوي الاختصاص…أي هم ولا أحد غيرهم…وفي ذلك إشارة إلى أن الله حباهم بما لا يتوفر البتة لدى غيرهم.
وهذا جميل جدا،لكن خارج قضايا الأسرة …وفي خلفيتها كل تلك الامتيازات، الرمزي منها والمادي، لا نسمع لهم ركزا.
لزم هؤلاء العلماء صمت القبور حينما تعلق الأمر بالتطبيع مع كيان الإبادة والتقتيل…بل، واستكانوا وتجمدوا في زواياهم أمام التقتيل اليومي ومعه استمرار التطبيع مع آلة القتل.
تُرى يا علماءنا الأجلاء، هل في علمكم وعلم مجلسكم الموقّر أن ما يقع من إبادة في غزة، وإنقاذا لماء وجهكم، يستدعي خروجكم وإسماع صوتكم وإعلان موقفكم…وأن سقوط ضحايا كثر من الفلسطينيين، لا بسبب القصف بالقنابل بل بسبب سلاح التجويع، يسائل كل ضمير حي…وكل عالم يدعي أن رسالته في الحياة هي ضمان رجع الصدى لما قامت عليه الدعوة المحمدية من رفض الظلم وإقامة العدل ؟
هل يرضيكم هذا الصمت المريب أمام هذه الإبادة التي تمر أمام أعينكم؟
هل يرضيكم ترتيل آيات القرآن يوميا دون أن تجد صدى معانيها في تفاعلكم؟
ألا يخجلكم إقامة صلواتكم اليومية والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بمختلف دعواتكم دون أن تترجموا ذلك في موقف تستحقون معه رتبة العالم ومكانة العلم؟
أي علم هذا الذي قضيتم زمنا طويلا في تشربه دون أن يكون عنوانا للإيمان وترجمة للصدع بالحق؟
هل يرضيكم السير على نهج المطبعين من “كلهم إسرائليون”، والحال أن من أوجب واجباتكم الدينية هي النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
غزة تموت؛
غزة تجوع؛
غزة تقتل؛
غزة تستنجد؛
غزة تستغيث؛
أن يستمر صمتك أيها العالم أمام هول هذه الفواجع، يعني أنك نقضت العهد واخترت بكامل إرادتك موقع الموظف المدافع عن أجرته، بدل موقف الضمير الحي المنافح عن الإيمان.
الإيمان الذي يعني ما وقر في القلب وصدقه العمل…دون ذلك، يفقد العلم معناه وتنتفي الرسالة ويستقر الشك وتنتشر الضلالة.