بقلم:حميد قاسمي تنوير
ما وقع في الرباط خلال نهائي كأس إفريقيا للسيدات ليس مجرد واقعة رياضية عابرة، بل صدمة حقيقية هزّت وجدان الجمهور المغربي. أن تُسرق البطولة من بين يده، في مشهد أثار سخط المتابعين وأعاد إلى الأذهان مرارات قديمة، لهو أمر يدفعنا إلى طرح أسئلة حقيقية حول جدوى كل هذا الاستثمار في لعبة لم تعد تجلب سوى الإحباط والإستياء.
لقد اعتدنا أن نرى في كرة القدم مساحة للفرح الجماعي، ملاذًا للهروب المؤقت من ثقل الأزمات، ومناسبة لاستعادة شيء من الأمل الوطني. غير أن ما حدث مؤخرا كشف أن هذه اللعبة، التي لطالما احتُفى بها كرمز للوحدة، قد تتحول بسرعة إلى أداة للغضب الشعبي، وإلى مادة تفضح عورات منظومة لا تملك مناعة أمام شبهات الفساد والتلاعب.
المغاربة، الذين خرجوا بالملايين في مسيرات الفخر بإنجازات منتخباتهم، لم يكونوا يلهثون خلف كرة تتدحرج بين الأرجل، بل كانوا يبحثون عن لحظة كرامة، عن إنجاز يعكس قدرتهم الجماعية على النجاح. لكن حين يُسلب منهم هذا الحق، ويُسحق أملهم علانية، فلا لوم على من يصرخ غاضبا ولا عتب على من يلوذ بالصمت الحزين.
من العبث أن نستمر في تسويق الإنجازات الرياضية كبديل عن التنمية الحقيقية. لا يمكن أن يكون ملعب كرة القدم أكثر أهمية من مدرسة ومستشفى. ولا يمكن لبطولة قارية أن تعوّض آلاف الشباب المحبطين في الأحياء الشعبية، أولئك الذين ينتظرون فرصة للتمكين لا مناسبة للهتاف وتعبيرا عن فرحة عابرة. نعم، كرة القدم لها قيمتها الرمزية، وقدرتها على التحفيز، لكنها لا يمكن أن تكون المشروع الوطني الأول في بلد يتعثر في التعليم، والصحة، والشغل.
ثمّة مفارقة مؤلمة في أن نضخ ملايين الدراهم في تنظيم مباريات، في وقت يضمحل فيه الأمل في حياة كريمة لدى جزء كبير من الشعب. كم مدرسة يمكن أن تُبنى بثمن تنظيم بطولة واحدة؟ كم مركز تكوين؟ كم فرصة حياة يمكن خلقها إن تم توجيه هذه الأموال بعقلانية ومسؤولية؟
ما وقع في الرباط ليس مجرد خسارة، بل درس قاسٍ. فحين يشعر المواطن بأن الظلم يطارده حتى في مجال الترفيه، وحين يُشكك في عدالة التحكيم والقرار، فإن الثقة تتآكل، والشرخ يكبر. وحين تكف كرة القدم عن أن تكون مساحة للفرح والترفيه، تصبح وقودا للغضب، ومقدمة لرفض أوسع، قد لا يقف عند حدود الملعب.
ليست المشكلة في اللعبة ذاتها، بل في طريقة تدبيرها. ليست المأساة في الهزيمة، بل في الإحساس بالغبن. وما لم يُستوعب هذا الدرس، فإننا نكرر الوهم، ونسير نحو الهاوية بأقدامنا، تحت أنغام نشيد وطني يُرفع في ملاعب لا تعكس واقعا وطنيا يستحق أن يُحتفى به.
المغرب وطن، لا ملعب. وشعبه ليس جمهور تصفيق، بل مواطنون يستحقون الكرامة والعدالة والتنمية. نحن لا نحلم بكأس يُنتزع، بل نحلم بوطن يُبنى على أسس من العدل، والجدية، والإرادة الصادقة.
وإن كان لا بد من كأس نفتخر به، فليكن كأس التفوق العلمي، والابتكار، والتماسك الاجتماعي. فذلك هو المجد الحقيقي، وما دونه مجرد زيف عابر.