اخبار دولية

ألمانيا تمعن في تزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة وتستعد لدق طبول الحرب على روسيا

أحمد رباص – تنوير
ـ ألمانيا تستعد لخوض الحرب ضد روسيا
يعيش الألمان تحت ضغط التوترات مع موسكو، ويرون المليارات المفرج عنها تخصص لتمويل الاقتصاد العسكري، ويعاينون كيف أن صناعة الدفاع المزدهرة في ألمانيا، مثل بقية دول أوروبا، تدخل حقبة عسكرية جديدة، وفقا لمجلة دير شبيجل، المجلة الإخبارية الأوسع انتشارا في ألمانيا، والتي نشرت هذا المقال يوم 30 مارس من السنة الجارية.
لقد أصبحت ألمانيا الآن ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى أوكرانيا، حيث صرح فريدريش ميرز بالفعل أنه يؤيد تزويد كييف بصواريخ توروس، التي يبلغ مداها 500 كيلومتر ويمكن أن تصل إلى الأراضي الروسية.
مع شروع أوروبا في تعزيز عسكري غير مسبوق، تساءلت مجلة دير شبيغل: هل يُمكن ضمان السلام بتسلحٍ هائل؟ منذ غزو روسيا لأوكرانيا، تضخمت ميزانيات الدفاع بشكلٍ كبير، مدفوعةً بالخوف الوجودي.
ألمانيا، التي كانت مترددة في السابق، تستثمر الآن مليارات الدولارات في جيشها، وهو تغييرٌ وصفته بأنه “نقطة تحول تاريخية”. وتلخص المجلة إلى القول: “نقاط الضعف هائلة: أوروبا خاليةٌ إلى حدٍ كبير من الصواريخ والدفاع الجوي والدفاع السيبراني والأقمار الصناعية. لعقودٍ من الزمن، أُهمِل كل شيء تقريبا أو تحوشي أو تُرِك للأمريكيين”.
اختارت المجلة أن تُخصِّص صفحتها الأولى لهذه الأسئلة، وأن تلتقط صوِرا لأورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إلى جانب فريدريش ميرز، أياما قبل أن يصبح المستشار الألماني الحالي، وكلاهما يرتدي الزي العسكري.
تحذر مجلة دير شبيغل من أن “مصنّعي الأسلحة يستعدون لأكبر طفرة في إنتاج الأسلحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.
ولم تهمل المجلة التأخيرات المتراكمة والافتقار إلى الوحدة الأوروبية. فبينما تُنفق برلين وحلفاؤها مليارات الدولارات، ما تزال الاستراتيجية غير مؤكدة. يُصرّ ماركو غومبريشت من شركة (إيرباص) على أن “ألمانيا بحاجة إلى استراتيجية للطائرات المسيّرة”. يتردد الجيش بين الطائرات الموجّهة وأسراب الطائرات المسيّرة ذاتية التشغيل، بينما يتعثر برنامج منظومة القتال الجوي المستقبلي (FCAS) الأوروبية، الذي يُفترض أن يُحدث ثورة في مجال الطيران الحربي.
في بروكسل، تُطالب أورسولا فون دير لاين بدفاع مشترك: “يجب أن ننشئ سوقا أوروبية للأسلحة”. وتقترح المفوضية تمويلًا لتشجيع الدول على الشراء المشترك، لكن التنافسات ما تزال قائمة.
يجد الاتحاد الأوروبي، الممزق بين ضرورة الدفاع عن النفس وإرثه السلمي لما بعد الحرب، نفسه عند مفترق طرق تاريخي. وتتساءل المجلة: “وراء كل هذه الاضطرابات الحالية يكمن سؤال أكثر جوهرية. ألا يتناقض كل هذا مع جوهر هذه الجمهورية، الملتزمة منذ زمن طويل بالسلام: بناء السلام – بالسلاح؟”
ـ ألمانيا تسلح أوكرانيا لضرب أهداف بعيدة المدى
برلين، التي لطالما اتسمت بالحذر في الشؤون العسكرية، تحولت إلى منطق إعادة التسلح القسري. وتستعد ألمانيا لتخصيص 100 مليار يورو للجيش الألماني، وهو مبلغ غير مسبوق. وتتبع دول أوروبية أخرى هذا التوجه، معززةً ترساناتها في ظل توترات متزايدة مع موسكو.
يُعد ذلك تغييرا جذريا في الصراع الروسي الأوكراني . ففي مقابلة أذيعت في ابريل الماضي مع التلفزيون العمومي (WDR) في برلين، أشار المستشار الألماني، فريدريش ميرز، إلى أن حلفاء أوكرانيا الغربيين، ومنهم ألمانيا، لم يعودوا يفرضون أي قيود على مدى الأسلحة الموردة إلى كييف، وفقا لما ذكرته قناة (Ouest-France). وقال: “لم تعد هناك أي قيود على مدى الأسلحة الموردة إلى أوكرانيا. لا من قبل البريطانيين، ولا من قبل الفرنسيين، ولا من قبلنا، ولا من قبل الأمريكيين”.
دون تقديم مزيد من التفاصيل حول توقيت قرار كل دولة بهذا التغيير في عقيدتها العسكرية، يبقى أن هذا الإعلان الصادر عن رئيس الحكومة الألمانية الجديد قد يُعيد ترتيب أوراق الصراع المحتدم منذ فبراي 2022.
بالفعل، قد يسمح تسليم أسلحة بعيدة المدى لأوكرانيا بالوصول إلى مناطق كانت بعيدة المنال سابقا في روسيا. ويتعارض هذا الإجراء أيضا مع قرار سلفه، أولاف شولتز، الذي رفض دائما تسليم أسلحة إلى فولوديمير زيلينسكي يتجاوز مداها 70 كيلومترا تقريبا خوفا من تصعيد التوترات.
وبما أن ألمانيا أصبحت الآن ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى أوكرانيا، كان فريدريش ميرز قد صرح بالفعل أنه يؤيد تزويد كييف بصواريخ توروس، التي يبلغ مداها 500 كيلومتر ويمكن أن تصل إلى الأراضي الروسية.
ـ ألمانيا مضطرة للتصالح مع جيشها
تشهد ألمانيا تحولاً جذرياً بسبب الحرب في أوكرانيا. فبعد عقود من السلمية، تستعد البلاد لإعادة تسليح نفسها، وينظر الشعب إلى جنودها بعين الرضا.
لأول مرة، كرمت ألمانيا جنودها يوم الأحد 15 يونيو بـتنظيم “يوم المحاربين القدامى” الذي يهدف إلى تحسين صورة الجيش في بلد يتميز بالسلمية، وحيث يدور نقاش حاد حول إمكانية عودة الخدمة العسكرية الإلزامية.
مع فتح مبنى الرايخستاغ أمام الجمهور، وحفل موسيقي مجاني على مسرح في الهواء الطلق، وشاحنات طعام من جميع أنحاء العالم، وألعاب للأطفال، لم يدخر الجيش الألماني، المعروف باسم البوندسفير، أي جهد لإظهار أفضل ما لديه في برلين، داخل المبنى الذي يرمز إلى الديمقراطية الألمانية.
مع وجود منصات مخصصة لرصد حالات ما بعد الصدمة التي تعرض لها الجنود وكسف الغطاء عن “الوجوه المكسورة”، فإن المخاطر الكامنة في مناطق الحرب ليست مخفية.
اعتقد مايك موتشكي (39 عاماً)، الذي أصيب بجروح خطيرة في كمين بمدينة قندوز بأفغانستان عام 2010، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة مظليين ألمان وإصابة ذراعه اليسرى بالشلل، أن هناك اليوم “تشجيعاً أكبر لنا نحن الجنود” بين السكان.
وأكد جينز روثس، الذي فقد ساقه بعد أن داس على لغم في كوسوفو عام 1999، أن “هذا الاعتراف تسارع منذ ثلاث أو أربع سنوات”. في حين “كان يُنظر إلينا بازدراء قبل عشرين عاما ونحن نرتدي الزي الرسمي”، يقول الرجل البالغ من العمر 47 عاما: “أصبح سائقو سيارات الأجرة والأشخاص الذين نلتقيهم في الشارع يشكروننا الآن أكثر من ذي قبل”.
تم تخصيص هذا اليوم الألماني الأول “للمحاربين القدامى”، والذي استند إلى النموذج الأمريكي، للجنود الحاليين وكذلك للمحاربين القدامى أنفسهم، وكان يهدف إلى “تعزيز الروابط بين الجيش الألماني والمجتمع”.
في هذا السياق، كتبت صحيفة (كولنر شتات-أنتسايجر) الإقليمية أن دولة تكتشف جيشها”، وأن “هذا الأمر يفتتح عصراً جديداً”.
إن ألمانيا، التي كانت مسالمة للغاية منذ الفظائع التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية، عانت منذ فترة طويلة من نقص التمويل المخصص للدفاع، حيث اعتمدت على القوة الأميركية داخل حلف شمال الأطلسي. في هذا الشأن تقول فيكتوريا زيجر، وهي مواطنة جاءت مع زوجها وطفليها: “ما دامت الحرب لم تكن موجودة، فالجميع كان يؤيد نزع السلاح”.
لكن مع الصراع في أوكرانيا، “اقتربت الحرب. وأدرك الناس بطبيعة الحال أنهم بحاجة إلى جيش”، كما تقول بيترا مول، وهي جندية سابقة تبلغ من العمر 46 عاما.
بعد زيادة أولية كبيرة في ميزانية الدفاع في عهد سلفه من الحزب الديمقراطي الاجتماعي أولاف شولتز، ذهب المستشار المحافظ فريدريش ميرز إلى أبعد من ذلك من خلال اتخاذ قرار بإزالة حدود الديون للإنفاق العسكري. وقال إنه يريد أن يجعل ألمانيا “أقوى جيش تقليدي في أوروبا”. لكن الجيش الألماني، الذي يأمل في زيادة قوامها 203 ألف جندي بحلول عام 2031 كإضافة إلى 181 ألف جندي حاليا، يواجه صعوبة في تجنيد المزيد من الجنود.
وتحدث وزير الدفاع بوريس بيستوريوس مؤخرا عن الحاجة إلى 50 إلى 60 ألف جندي جديد في السنوات المقبلة.
وقالت آنا ماريا جيريميك، وهي جندية احتياطية تبلغ من العمر 21 عاماً، إن يوم المحاربين القدامى يمكن أن “يحفز الناس (…) على أن يصبحوا جنوداً احتياطيين أو أن يتطوعوا كجنود”.
لكن ذلك لن يكون كافيا، إذ أصبحت أصوات المسؤولين المنتخبين، وخاصة من المعسكر المحافظ، تنادي بعودة الخدمة العسكرية الإلزامية التي ألغيت في عام 2011، مسموعة بشكل متزايد.
وبما أن هناك محاولات لإحياء الخدمة العسكرية التطوعية، كشفت صحيفة هاندلسبلات الاقتصادية مؤخرا عن مشروع قانون قيد الإعداد، مما يمهد الطريق، إذا لم تتحقق الأهداف، للتصويت في البوندستاغ لإعادة التجنيد الإجباري.
ولم يؤكد بوريس بيستوريوس هذه الخطة، مؤكدا أن الجيش “لا يملك بعد البنية التحتية اللازمة” لاستيعاب هذا العدد الكبير من الشباب كل عام.
وقال أيضا: “سنتحرك على الفور وفقا لذلك” إذا لم تكن دعوة المتطوعين “ناجحة”.
وكدليل على أن التحول العسكري في ألمانيا يعطل الثقافة السياسية في البلاد، نشر في وقت سابق أنصار الجناح السلمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بمن فيهم رئيس الحزب السابق، “بيانا” ينتقد “الخطاب العسكري المثير للقلق” للحكومة ويدعو إلى الحوار مع روسيا.
وتلك ثورة أدانها وزير الداخلية بوريس بيستوريوس، وهو أيضا عضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي وأحد الشخصيات السياسية المفضلة في ألمانيا، ووصفها بأنها “إنكار للواقع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى