عزيز الحنبلي -تنوير
بعد مرور ستة وعشرين عامًا على اعتلائه عرش المملكة المغربية، يفتح تقييم حصيلة حكم الملك محمد السادس بابًا واسعًا للنقاش بين الفاعلين السياسيين والمراقبين، بالنظر إلى ما تحقق من منجزات، وما لا يزال مطروحًا من تحديات.
فمنذ توليه العرش في 23 يوليوز 1999، بادر الملك إلى إطلاق سلسلة من الإصلاحات الهيكلية والمشاريع الكبرى التي أعادت رسم ملامح المغرب على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. كان من أبرز هذه التحولات البنية التحتية الحديثة، مثل مشروع ميناء طنجة المتوسط، ومحطة نور للطاقة الشمسية بورزازات، والقطار فائق السرعة (البراق)، إلى جانب توسع شبكة الطرق السيارة والربط الكهربائي والمائي بمناطق نائية.
على المستوى الدستوري، شهد المغرب إصلاحًا بارزًا سنة 2011، توّج بإقرار دستور جديد وسّع من صلاحيات رئيس الحكومة وعزّز مبدأ فصل السلط، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وأرسى أسسًا جديدة للحكامة الجيدة.
في المجال الاجتماعي، أطلقت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرنامج “راميد”، إضافة إلى أوراش التغطية الصحية الشاملة والحماية الاجتماعية. غير أن هذه البرامج، ورغم أهميتها، لم تفلح في القضاء على الفوارق الاجتماعية والمجالية، ولا تزال مؤشرات الفقر والهشاشة مقلقة، خاصة في الوسط القروي.
أما في مجال حقوق الإنسان، فقد عرفت البلاد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، التي شكلت سابقة في العالم العربي، وساهمت في جبر الضرر لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. لكن في المقابل، تسجل منظمات حقوقية تراجعًا في حرية الصحافة وحرية التعبير، وتطالب بتعزيز الضمانات الحقوقية ووقف الممارسات التقييدية.
دبلوماسيًا، حقق المغرب مكاسب استراتيجية، أبرزها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وتكثيف العلاقات مع الدول الإفريقية، وفتح عشرات القنصليات في العيون والداخلة. كما عززت المملكة علاقاتها مع قوى دولية وإقليمية كفرنسا، الولايات المتحدة، الصين، ودول الخليج.
ورغم هذه الإنجازات، فإن المملكة تواجه تحديات متجددة، أبرزها ارتفاع البطالة، وتزايد المديونية العمومية، وغلاء المعيشة، واتساع الفوارق الطبقية، وأزمة الثقة في العمل السياسي والمؤسسات التمثيلية، مما يطرح الحاجة إلى تجديد النموذج التنموي وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
إن حصيلة الملك محمد السادس بعد 26 عامًا من الحكم، تتسم بتوازن بين الطموح الكبير في التحديث والإصلاح، وبين معوقات التنفيذ المرتبطة بالحكامة، وتحديات العدالة المجالية والاجتماعية. ويبقى مستقبل البلاد مرهونًا بمدى تفعيل الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية، وتحقيق التنمية المندمجة والشاملة في ظل الاستقرار السياسي.