* عزيز الحنبلي
ككل سنة، يأتي خطاب عيد العرش محمّلًا بالدلالات والانتظارات، لكن خطاب هذه السنة، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لاعتلائه العرش، جاء مختلفًا في نبرته وواقعيًا في مضمونه؛ إذ اختار الملك أن يضع الأصبع على جوهر التحدي الحقيقي الذي يواجه مغرب اليوم: تحقيق العدالة المجالية والاجتماعية في ظل طفرة اقتصادية لا يمكن إنكارها.
ففي الوقت الذي يشيد فيه الخطاب بإنجازات المغرب على مستوى الاقتصاد والبنيات التحتية، خاصة في قطاعات الطاقات المتجددة والصناعات الحديثة، لم يُخفِ الملك خيبته من التفاوت الصارخ في استفادة المواطنين من هذه المكتسبات، بل قالها صراحة: “لا مكان لمغرب بسرعتين”.
هذه العبارة لا تُترجم فقط هاجسًا ملكيًا بعدم الاكتفاء بالأرقام والنسب، بل تعكس وعيًا عميقًا بأن النجاح الاقتصادي يفقد معناه إذا لم يمسّ حياة الناس اليومية. هنا، يتحول الخطاب من مجرد استعراض للمنجزات إلى محاولة لتصحيح البوصلة.
اللافت أيضًا أن الملك تحدث بصراحة عن الفقر والهشاشة في بعض المناطق، رغم تقدم المغرب في مؤشر التنمية البشرية. وهذه مفارقة حقيقية: كيف يمكن لبلد يصنّف ضمن خانة “التنمية البشرية العالية”، أن لا يزال يعاني من مظاهر الفقر في مناطقه القروية؟ الجواب، في رأيي، يكمن في ضعف تفعيل آليات العدالة المجالية وتضارب السياسات القطاعية.
من جهة أخرى، جاء الحديث عن الانتخابات المقبلة كإشارة واضحة إلى أن الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026 ستكون اختبارًا حقيقيًا للمؤسسات والأحزاب على حد سواء، حيث دعا الملك إلى إعداد مبكر وشفاف لها، مما يضع الطبقة السياسية أمام مسؤولية تجديد الثقة التي تآكلت بفعل التباعد بين الخطاب والممارسة.
أما على الصعيد الإقليمي، فجدد العاهل المغربي تأكيده على مد اليد للجزائر، بلغة لا تفتقر للصدق ولا للمسؤولية، في مشهد نادر يجمع بين الدعوة للحوار والإصرار على السيادة. وهو موقف يُحسب للمغرب كدولة تراهن على العقلانية والدبلوماسية الهادئة بدل التصعيد.
وفي ملف الصحراء، لا يمكن تجاهل الإشارة إلى تزايد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، خاصة من دول ذات ثقل سياسي كالمملكة المتحدة والبرتغال، مما يُثبت مرة أخرى أن السياسة المغربية تجاه هذا الملف باتت تثمر على المستوى الدولي، وهو ما يجب تثمينه ومواصلته بذكاء.
في النهاية، يمكن القول إن خطاب العرش 2025 ليس خطابًا للاحتفال فحسب، بل دعوة للتفكير العملي: كيف نحوّل النمو الاقتصادي إلى نمو منصف؟ كيف نعيد الثقة في السياسة؟ وكيف نربط التنمية بالكرامة؟ إنها أسئلة مفتوحة لا تكفي الإجابة عنها في خطاب واحد، لكنها تستحق أن تُطرح على كل من يملك سلطة القرار أو طموح التأثير في مستقبل هذا البلد.
*مدير نشر تنوير الالكترونية