ذوو الإعاقة خارج حسابات سياسات الدولة.. أين تكافؤ الفرص؟ حافلات لا ترحم، قطارات لا تُراعي، وسياسات عرجاء!

بقلم:حميد قاسمي-تنوير
في ظل ما جاء في البيان الاستنكاري الصادر عن التنسيقية الوطنية لحملة الديبلومات والشواهد الجامعية في وضعية إعاقة، يبرز من جديد واقع التمييز الممنهج والإقصاء المزدوج الذي يعانيه الأشخاص في وضعية إعاقة، والذين لا تزال حقوقهم تُنتَهك بشكل صارخ، رغم ما ينص عليه الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة.
إن رفض تمكين عدد كبير من الأشخاص في وضعية إعاقة من الاستفادة من آمو تضامن والدعم الاجتماعي المباشر، بحجة عدم استيفائهم لشروط السجل الاجتماعي الموحد، يُعدّ سلوكا تمييزيا غير مبرر، ويكشف عن ثغرات خطيرة في منظومة الاستهداف الاجتماعي. ويزداد الأمر استفزازا عندما يُقر الوزير المكلف بالميزانية نفسه بوجود اختلالات كبيرة في هذا النظام، مما يعني أن الإقصاء لم يكن نتيجة معيار دقيق بل نتيجة خلل إداري وتقني لم يُحاسَب عنه أحد.
الدستور المغربي، في فصله الرابع والثلاثين، يُلزم الدولة بوضع سياسات لتأهيل الأشخاص في وضعية إعاقة ودمجهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما تنص الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي صادق عليها المغرب، على ضرورة ضمان تكافؤ الفرص وتمتيعهم بكافة الحقوق دون تمييز، لا سيما في مجالات الشغل والحماية الاجتماعية والتنقل.
ورغم ذلك، ما زالت فئة المعاقين تتعرض لتهميش واسع على عدة مستويات:
◉ في النقل العمومي
يُعامل الأشخاص في وضعية إعاقة وكأنهم عبء على الدولة، إذ لا تتوفر معظم حافلات النقل الحضري، في المدن المغربية، على ولوجيات ملائمة، مما يُحرمهم من التنقل الآمن والكرامة. أما القطارات، فحدث ولا حرج؛ محطات غير مهيأة، عربات غير مجهزة، وسلوك فج وغير لائق من بعض أعوان الشركة.
◉ في سوق الشغل
رغم وجود مرسوم تخصيص نسبة مئوية من المناصب للأشخاص في وضعية إعاقة، إلا أن تطبيقه لا يزال شكليا، وغير مفعّل في معظم مباريات التوظيف العمومي، ناهيك عن القطاع الخاص الذي يغيب فيه الالتزام تماما، وسط صمت مطبق من المؤسسات المعنية.
◉ في الحماية الاجتماعية
المثير للقلق أن المغرب لا يمنح الأشخاص في وضعية إعاقة منحة شهرية تضمن لهم الحد الأدنى من الكرامة، كما هو معمول به في عدة دول عربية (مثل الجزائر وتونس والأردن) وغربية (مثل فرنسا وإسبانيا وكندا والعديد من الدول). فهل الإعاقة في المغرب أقل ألماً ومعاناة من غيرها؟ أم أن الأمر يتعلق بانعدام الإرادة السياسية الحقيقية لوضع حد للتمييز؟
البيان يطالب بخمس نقاط مشروعة، يمكن تلخيصها في: العدالة الاجتماعية، المحاسبة، الإصلاح، الشفافية، والتفعيل الحقيقي للمعلومات المصرح بها. وهي مطالب يجب ألا تُواجه بالتجاهل أو التسويف، بل تستوجب استنفارا وطنيا لرفع الظلم والحيف عن فئة لطالما كانت ضحية للتقصير والإهمال.
أخيرا، آن الأوان للمرور من مرحلة الشعارات إلى مرحلة الأفعال. فالإعاقة ليست عجزا في الجسد، بل في الفكر والسياسات التي تُقصي أصحاب الكفاءات من هذه الفئة، وتُغلق في وجوههم أبواب الشغل والتنقل والعيش الكريم. والحق في الدعم ليس منّة من أحد، بل التزام قانوني وأخلاقي على الدولة ومؤسساتها.