وجهة نظر

في سيرة المقاومات الثلاث للفقيه البصري بقلم عبد الله انحاس (الجزء الاول )

بعد توقف قلبه عن الخفقان وانطفاء مشعله،تكون الحركة الوطنية المغربية قد فقدت برحيل محمد الفقيه البصري،أحد اركانها السياسية واحد فرسان المقاومة الذي طبع بحضوره المؤثر بعض المفاصل المركزية للسيرة الذاتية الكفاحية للرعيل المؤسس من القادة التاريخيين لأهم فصائل المعارضة المغربية،أمثال القائد الأممي الشهيد المهدي بن بركة و الشهيد عمر بن جلون والراحل الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي…
لقد ساهم الفقيد منذ ازيد من عقدين ونيف إلى جانب قسم مهم من الرعيل الأول، وإن بتفاوت في الدرجه والطبيعة، ومن مواقع فعله الخاصة والمتعددة، في صناعة ما تعتبره هذه القراءة السريعة أزمنة المقاومات الثلاث للمعركة التاريخية المفتوحة والممتدة على أكثر من صعيد حزبي وجبهة وطنيه وقومية.

تفصح هذه الازمنة عن نفسها في إطار تجربة تاريخية ملموسة ومتحققة في الواقع وفق الأشكال التالية: زمن مقاومة الاحتلال، زمن المقاومة السياسية، زمن المقاومة القومية.

1ـ زمن مقاومة الاحتلال
لقد طبع زمن مقاومة الاحتلال بهيمنة نمط من التحالف التاريخي بين ثلاثة اقطاب، تمثلت أساسا في القصر وحزب الاستقلال والمقاومة وجيش التحرير، حيث لعبت هذه المكونات دورها المشهود وإن بدرجات مختلفة التفاوت والأثر المادي في كسب رهان ناصية الاستقلال النسبي، غير ان هذه الاقطاب لم تفلح في صيانة تحالفها التاريخي الذي ربطها إبان تجربة النضال والمقاومة من أجل التحرير، ولقد شكلت الواقعةالانشقاقية التي عصفت بوحدة حزب الاستقلال السياسيه والتنظيميه عام 1959 ترجمة فعليةصريحة أعلنت عن بداية تفكك ذلك التحالف، بل وانهياره لاحقا بعد الإطاحة بالحكومة الوطنية التي تراسها الراحل الأستاذ عبد الله ابراهيم، اذ عاش الاتحاد الوطني للقوات الشعبية تجاذب أجنحة ومراكز قوىة ذات نزوع متفاوت في الجذرية والراديكالية أبرزها التنظيم السري للفقيه، حيث لم تقو على مقاومة إغراء وغواية نموذج سياسي مكافح بخلفية شعبويةعبر عنهاالاتحاد الوطني للقوات الشعبية في بعض مراحل زمنه السياسي الذاتي، ضمن سياق المقاومة السياسية لاختيارات النظام المغربي.
2ـ زمن المقاومة السياسية
غلب على زمن المقاومة السياسيةالمبدئية، تبني الاتحاد الوطني لاستراتيجية تغييرية، أعلنت عن بدايتها التأسيسية مع بلورة مشروعه السياسي البديل الذي اتسع لمجموعة من الاصطفافات الاجتماعية، على قاعدة التحزب لرهان المواجهة المفتوحة مع النظام، وعلى أرضية سؤال شرعية السلطة ذاتها. لقد تمخض عن هذا
إسكات بنادق المقاومة وتصفية ما تبقى من صهيل الجيوب النافرة الشعبوية المغربية، لتتحرك عصابات التصفية الجسدية والأقبية السرية وزوار الليل ضد مناضلي وناشطي الاتحاد الوطني..وخلايا المنظمات الماركسية التي انتمى قسم من فاعليها ومناضليها الى القطاع الشبيبي للاتحاد الوطني.. قبل تبنيها لأطروحة التحويل الثوري للمجتمع عبر قيادة طبقية. ولقد جسد الجلاد اوفقير بسجله الدموي مؤشرا على مرحلة ساخنة وأحد العناوين التصفوية للنظام بامتياز.
في خضم أغلب محطات الزمن الثاني لم يغب الفقيه البصري رغم منفاه عن حسابات الصراع السياسي ومقاصده، بل ظل طيفه وطرحه حاضرا في الساحة الوطنية، وسرعان ماعاد بقوة إلى واجهة الصورة الحزبية بعد حدث المؤتمر الاستثنائي، عبرالتلويح بالاختيار الثوري بحسبانه الإجابة السياسية الموضوعية عن محطة التشظي التي أعلن عنها التقرير الإيديولوجي للاتحاد الاشتراكي..، باعتبارها التجسيد السياسي الكياني لحدث القطيعة مع مشروع الاتحاد الوطني المجهض.

على هذا الأساس، ظل الراحل محمد البصري مؤتمنا وفيا على إرث فكرة تجديد مشروع الاتحاد الوطني الذي يتسع حسب تصوره (انظر وثيقة الفقيه البصري:مشروع رؤية لاصلاح أوضاع وهياكل الحركة الوطنية المغربية، جريدة المستقل, الاعداد الأربعة الأولى دجنبر 1996). وكذلك (عبد الله انحاسفي “استئناف البدء: قراءة في الأرضية التوجيهية، الفقيه البصري، دجنبر23 24 25 1996) لجميع الاطياف والتوجهات الفكرية والسياسية، بدءا من اليسار الراديكالي حتى صنف محدد من الناشطين الإسلاميين، على شاكلة اسلاميي المؤتمر القومي الاسلامي.
تحت وطأة المنفى وتنامي وعيه الحاد بالمصير المشترك
للشعوب المقاتلة من أجل الحرية، نجح الراحل محمد البصري في ربط علاقات نضالية قوية مع جيل من القيادات التاريخية الوطنية والقومية، ومن مشمولاتها المصريةزمن عبد الناصر والبعثية بطبعتيها العراقية مع صدام حسين والسورية مع حافظ الاسد والجزائرية.. وقد ساهمت هذه العلاقات القومية الرسمية والشعبية في تعميق ومأسسة الهم القومي الذي بدأ ينحو وجهة مبدئية مغايرة في تفكير وسلوك محمد البصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى