عزيز الحنبلي
حدّد مشروع قانون المالية لسنة 2026، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية، أربع أولويات كبرى ترسم معالم مرحلة جديدة للاقتصاد الوطني، وهي: تعزيز إقلاع المملكة، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمجالية، وتوطيد أسس الدولة الاجتماعية وتسريع الإصلاحات الهيكلية، والحفاظ على توازن المالية العمومية. ويراهن المشروع على بلوغ معدل نمو يناهز 4.5 في المئة سنة 2026، وخفض عجز الميزانية إلى 3 في المئة من الناتج الداخلي الخام، والتحكم في مديونية الخزينة في حدود 65.8 في المئة، عبر تعبئة روافع الاستثمار والنمو والإصلاح لتعزيز الصلابة الاقتصادية والقدرة التنافسية. ويضع المشروع تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية في قلب تدخلاته عبر تحفيز التشغيل، وتعزيز الخدمات الاجتماعية الأساسية، وتبنّي نموذج استباقي ومستدام لتدبير الموارد المائية، وإطلاق برامج تأهيل ترابي مندمجة تراعي خصوصيات الجهات وتُفعِّل مبادئ الجهوية المتقدمة والتكامل بين الأقاليم.
ويُعوِّل مشروع قانون المالية على دينامية استثمارية قوية تدعم “المهن العالمية للمغرب” والصعود الصناعي، من خلال مشاريع مهيكلة تشمل توسيع أسطول الخطوط الملكية المغربية، وتمديد شبكة القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، وتحديث المطارات، إلى جانب استثمارات في الغاز والهيدروجين الأخضر وما يرتبط بالتحضيرات لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى. كما يفعّل الميثاق الجديد للاستثمار بمنحٍ تصل في مجموعها إلى 30 في المئة من كلفة المشاريع المؤهَّلة، مع تعبئة “صندوق محمد السادس للاستثمار” لرفع مشاركة الرساميل الخاصة وتوسيع الوعاء الاستثماري. وعلى المستوى الاجتماعي، يعزّز المشروع انتقال الدولة نحو سياسات دعم مباشر دقيقة الاستهداف لتوسيع أثرها على الفئات المعوزة والمتوسطة، مع مواصلة تعميم التغطية الاجتماعية، وتحسين الولوج إلى السكن، ودعم القدرة الشرائية للأسر، وربط السياسات الاجتماعية بمسار التعليم والتكوين والإدماج المهني. وفي ما يتصل بالأمن المائي، يندرج العمل ضمن البرنامج الوطني لتأمين الماء الشروب والري 2020-2027 عبر تسريع مشاريع التحلية والسدود و”طرق الماء”، ورفع القدرة الوطنية للتحلية تدريجياً بحلول 2030. كما يتقدّم ورش تبسيط ورقمنة الإدارة وتقريب الخدمات العمومية، وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية لتركيزها على الأنشطة الاستراتيجية وتنويع مصادر تمويلها، إلى جانب مواصلة إصلاح الضريبة على القيمة المضافة في اتجاه نظام مبسّط بعتبتين وحيادٍ جبائي أكبر، واتخاذ تدابير لإدماج القطاع غير المهيكل عبر التحفيزات والتغطية الاجتماعية وتشجيع نظام “المقاول الذاتي”. وبهذه المرتكزات، يرسم مشروع قانون المالية لسنة 2026 مساراً يجمع بين الانضباط المالي والاستثمار الموجَّه والاختيارات الاجتماعية ذات الأثر المباشر، بما يعزّز تموقع المغرب ضمن سلاسل القيمة العالمية ويُرسّخ العدالة المجالية والاجتماعية على المدى المتوسط.