وجهة نظر

الإلحاد بين الادعاء الفلسفي والانفعال العاطفي

بقلم:حميد قاسمي-تنوير
في خضم الجدل الدائر حول قضية الإلحاد وحرية المعتقد، تبرز بعض الأشخاص الملحدين مثل المسماة ابتسام لشگر التي تتبنى موقفًا إلحادياً صريحًا، لكنها تقع في تناقض واضح عندما تسب الدين أو الذات الإلهية التي تنفي وجودها أصلاً. وهنا يطرح السؤال نفسه: إذا كنتِ لا تؤمنين بوجود الله، فلماذا تسبينه؟ ومن هو ذلك الإله الذي توجهين إليه السِبب والشتائم؟ أليس هذا تناقضًا يُضعف حجتك؟
الإلحاد والتناقض المنطقي
الإلحاد يقوم على فكرة إنكار وجود الخالق، وبالتالي فإن أي حديث عن الله أو سبّه يصبح بلا معنى من الناحية العقلية. فكيف يُسبّ شيء يعتبره الملحد وهمًا؟ إن هذا السلوك لا يعكس إلا تناقضًا داخليًا، إذ يتم التعامل مع الله كحقيقة عندما يُسبّ، بينما يُنفى وجوده في الحجج النظرية. وهذا يدعو للتساؤل: هل الإلحاد هنا موقف فلسفي عميق، أم هو مجرد ردة فعل عاطفية؟
حرية المعتقد بين المطالبة بها وانتهاكها
تدّعي العديد من التيارات الإلحادية الدفاع عن حرية المعتقد، لكنها في المقابل لا تتردد في مهاجمة المعتقدات الدينية بلسان حاد واستهزاء. وإذا كانت حرية الفكر تعني احترام اختلاف الآخرين، فلماذا يتحول النقاش إلى سب وتجريح؟ لقد أكّد القرآن الكريم مبدأ قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾.مما يعني أن الإسلام يضمن حرية الاختيار، لكنه في الوقت نفسه يدعو إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، لا إلى الإساءة المتبادلة.
الدليل العلمي والعقلي على وجود الخالق
إذا أرادت الملحدة مناقشة وجود الله بعيدًا عن العواطف، فليكن الحوار علميًا وعقليًا:
1.دليل النظام الكوني: الكون يعمل بنظام دقيق، من دوران الكواكب إلى توازن القوى الفيزيائية. وهذا النظام المحكم يستحيل أن يكون وليد صدفة، بل يدل على وجود مُنظِّم حكيم. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ .
2.دليل الفطرة: الإنسان مجبول على الإيمان بخالق، حتى لو حاد عن هذه الفطرة بفعل الشبهات أو المؤثرات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﷺ: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» [رواه البخاري ومسلم].
3.دليل العلة الأولى: كل موجود يحتاج إلى سبب لوجوده، ولا يمكن للكون أن يخلق نفسه. وهذا المبدأ الفلسفي يقود حتمًا إلى وجود خالق غير مخلوق، كما قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ .
نعم: حرية الاختيار لا تعني حرية الإساءة
الإسلام كفل حرية الاعتقاد، لكنه دعا إلى الحوار بالمنطق والأدلة، لا بالسباب والتناقض. وإذا كانت ابتسام لشگر ترفض الإيمان، فهذا حقها، لكن عليها أن تلتزم بمنطقها الإلحادي، فلا تسبّ ما لا تؤمن به. أما إذا أرادت نقاشًا علميًا، فالأدلة العقلية والنقلية قائمة، بشرط أن يكون الحوار هادفًا بعيدًا عن الانفعال والتعصب.
في النهاية، الإلحاد ليس دليلًا على التحرر الفكري، بل هو موقف يحتاج إلى إثبات مثله مثل الإيمان، والسبّ ليس حجة، بل هو دليل على ضعف الحجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى