مجتمع

الطاهر بنجلون: المغرب باهظ جدا (2/2)

ترجمة: أحمد رباص
يقول مهاجر مغربي اسمه كريم: “دخلت إلى المغرب منذ 4 أيام. وكان من دواعي سروري البالغ أن أعود إلى موطني في إيل دو فرانس. لم يسبق لي تجربة هذا من قبل. في الواقع، هذا البلد يزعجني أكثر فأكثر. عمليات الاحتيال اليومية، وأسعار مخصوصة للجالية المغربية المقيمة في الخارج للترحيب بنا في شهري يوليوز وغشت، وأسعار عبور المضيق أكثر تكلفة من تلك المفروضة لعبور القناة الأطول، وما يسمى بفنادق “5 نجوم” والتي، في الواقع، تحمل الاسم فقط و الذي يتوافق معياره على الأكثر مع معيار 2 أو 3 نجوم، والقائمة طويلة.
السرقة والفساد على كافة مستويات الاقتصاد والإدارة. إذا استمعت لنفسي سأطلب من المغتربين مقاطعة المغرب في عام 2026 وعدم تحويل المزيد من الأموال حتى يتم اعتبارنا كما ينبغي..
ما قرأتم للتو هو أحد التعليقات العديدة على عمودي الأخير “المغرب باهظ جدا (1)”، الذي أثار عددا كبيرا من ردود الفعل التي سارت جميعها في اتجاه إدانة ارتفاع الأسعار وتراجع جودة المنتجات والخدمات. وتعكس هذه التعليقات أيضا غضب العديد من مغاربة العالم الذين لم يتمكنوا من العودة لرؤية أسرهم بسبب ارتفاع جميع الأسعار. وقد أدى الارتفاع المتزايد في تكلفة تذاكر الطائرة خلال فصل الصيف إلى ثني المغاربة المقيمين بالخارج عن السفر إلى أجمل بلد في العالم.
يكون الشيء باهظ الثمن عندما لا تتوافق جودته أو كميته مع السعر المطلوب. في المطاعم يمكنك التحقق من هذا التعريف كل يوم.
على الجهات المختصة أن تفعل شيئاً حيال هذا الانحراف الذي لا يبدو أنه يتوقف بل على العكس من ذلك ينتشر دون داع. رغم الأرقام التي نشرتها وزارة السياحة، كتبت مغاربة العالم ليقولوا بوضوح إنهم يفضلون قضاء عطلاتهم في إسبانيا أو تركيا وأنهم يعتقدون أن أطفالهم، نتيجة لانتشارهم على نطاق واسع، سوف يأتون بشكل أقل فأقل إلى المغرب والأسوأ من ذلك، لن ترسل الأموال هناك بعد الآن.
بشكل عام، الملاحظة مروعة، وتؤثر على جميع المناطق. والأهم هو الصحة: تحليل فحص الدم يكلف ما بين 300 إلى 1000 درهم، حسب وصفة الطبيب. الأشعة السينية: 1500 درهم. ولهذا السبب تكثر مباني التحليل البيولوجي في كل مكان تقريبا. هذا يذر ربحا كبيرا ولا يمكن لأي مريض الاستغناء عنه. وبالتالي فإن الأجهزة، التي كانت تكلفتها في البداية عالية، يتم استهلاكها بسرعة. يتقاضى الموظفون أجورهم على الطريقة المغربية. أما الضرائب فأنا أشك في أنها ستدفع وفق واقع الدخل. وطالما أن النقد موجود، فإن مكافحة الاحتيال ستكون وهمية.
الحداثة لها ثمن. تكون باهظة عندما لا تكون مصحوبة بالقيم والمبادئ. ومع ذلك، فإن فقدان القيم أو التضحية بها يؤدي إلى اضطراب أخلاقي يفتح الأبواب أمام الفساد والإهمال والفردانية المدمرة غير اللائقة. الحس اللامدني عامل مساعد، يعطي صورة سيئة للغاية عن مجتمعنا.
وكما كتب أحد المعلقين: “لابد من المراقبة والمعاقبة”، مستعيرا عنوان احد كتب ميشيل فوكو.
نعم للسيطرة والمعاقبة! للسيطرة والردع! المواطن يحتاج للدفاع عنه. وهذا من حيث المبدأ دور الدولة والسلطات المحلية. ويجب على هذا المواطن أن يدرك مسؤوليته وواجباته تجاه نفسه وتجاه الآخرين. هذا لا يأتي من تلقاء نفسه. الحاجة إلى التعليم، العودة إلى قيم كبارنا، مكافحة الأوهام الضارة للشبكات الاجتماعية السامة بشكل متزايد، لأنها غير خاضعة للرقابة.
برنامج واسع. لم يفت الأوان بعد للبدء في تمشيط شوارع وطرق مجتمعنا. الكاتب المصري توفيق الحكيم (1889-1987)، مؤلف الكتاب الرائع “يوميات نائب في الأرياف” (1993)، خرج ذات يوم بالمكنسة لتنظيف مدينته المتعفنة بالفساد والسلوك اللامدني. لفتة رمزية كان لها بعض التأثير، على الأقل في وسائل الإعلام في بلاده.
في الوقت الحالي، يشعر العديد من المواطنين بالغضب. ولكن يجب علينا أن نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ونحارب على الأرض ضد الأعمال اللامدنية.
ثلاثة أمثلة صغيرة شهدناها بالأمس عند العودة إلى طنجة في البوراق:
– سيدة تتصل بشخص من عائلتها وتسوي حساباتها وهي تصرخ وتزعج مع ذلك مقطورة من الدرجة الأولى بأكملها. وعندما أشار لها أحدهم أنها ليست وحدها في هذا القطار، زادت من شراستها وتطايرت الإهانات من فمها مثلما تتطاير الرصاصات من رشاش.
– ذهبت إلى المرحاض. وجدته مشغولا. وقفت أنتظر. فتاة صغيرة تخرج. لم تغلق الباب وغادرت دون النظر إلى الوراء.
– بعد شعوري بالاشمئزاز، تخليت عن استخدام هذا المرحاض. صعدت إلى الطابق العلوي، وهنا يخرج رجل كبير من المرحاض. لم يقم بغسل المرحاض أو إغلاق الباب.
هذه أشياء صغيرة وغير مهمة. ومع ذلك، فهي تشير إلى نقص في التربية وعدم احترام المجتمع.
اللامدنية في كل مكان. إنها تأتي من مكان بعيد وتبين أن الكفاح طويل وصعب.
عدد المباني السكنية التي يتردد شاغلوها في دفع الرسوم هائل. غالبا ما يكون هؤلاء أثرياء، لكنهم يرفضون دفع الرسوم. ومن هنا تدهور هذه المباني حيث لم يعد فيها شيء يعمل. بعض الناس لم يدمجوا بعد واجبات العيش المشترك. أنانيون وغير متضامنين. لا مدنيون في زي شياطين.
نبهتني إحدى الصديقات للتو إلى تفاقم الأحداث بسبب افتقار المواطنين إلى الحس المدني. أخبرتني أنه قبل تبييض المباني على نفقة الدولة، تحسباً لعام 2030، ألا ينبغي لنا أن نبدأ بالمطالبة بسلوك مدني محترم ومسؤول؟ لكن كالعادة نعطي أهمية أكبر للمظاهر ونهمل جوهر الوطن وأخلاقه واحترامه واستقامته وحبه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى