ثقافة و فن

جان ميشال بويه: “المرحلة ما قبل الأخيرة من المسار الظاهرياتي: الدين الظاهر” (الجزء الرابع)

أحمد رباص – تنوير
الجماعة
مع ذلك، هل يتحقق هذا “التجاوز”، أو هذا Aufhebung للتمثيل، تماما في عملية الجماعة الروحية؟ ألن تُسلِّط هذه الحركة، على العكس من ذلك، الضوء، بشكل آخر، على الثنائيات التمثيلية التي تزعم أنها تجاوزتها؟ أو، بطرح السؤال نفسه بشكل مختلف، هل تدرك الجماعة المسيحية نفسها كما تبدو لنا، على أنها في حد ذاتها تجاوز لكل خطاب تمثيلي؟
يبدأ النص بإظهار أن معنى حياة الجماعة هو أن تُنتج في ذاتها ما صار قبلا في ذاتها عبر موت المسيح وقيامته: “حركة الجماعة […] تتمثل […] في إضاءة ما قد صار في ذاته. الإنسان الإلهي، أو الإله البشري، الذي مات هو في حد ذاته الوعي الذاتي الكوني. عليه أن يصير كذلك من أجل هذا الوعي الذاتي”. بعبارة أخرى، يجب على الذات المفردة أن تُحرر نفسها من طبيعتها وتسمو إلى الروح، أو كما يقول هيجل، ما سار في ذاته – الوعي السيئ – يجب أن يسير مرة أخرى في ذاته، أي أن يتميز عن كينونته المتميزة أصلا، بالاعتراف و”إقناع نفسه بأن الوجود-هنا الطبيعي هو الشر” (بعينه): يجب على المسيحي أن يتخلى عن فورية الطبيعة وأن “يموت بالخطيئة”، وهو ينجز لحسابه الخاص العملية التي حدثت قبلا من خلال موت المسيح وقيامته. وهكذا تظهر الجماعة المسيحية كجماعة، وهي تعترف للسلبية الطبيعية أو المجردة التي هي الموت بدلالة روحية، تُؤكد نفسها كجماعة تُحركها بفعالية كونية الروح التي “تموت وتبعث فيها كل يوم”.
هذه الكونية التي تُلغى فيها الخصوصية التي كانت ما تزال مرتبطة بالتمثيل الفردي لموت المسيح هي بالتالي إلغاء لعنصر التمثيل الخاص بـ”الدائرة الثانية” من دوائر الدين المسيحي: “العنصر المباشر السابق [ …] الموضوع هنا كمُلغى، أو [مرة أخرى] هو عاد إلى الذات، إلى مفهومه؛ ما كان في هذا العنصر مجرد موجود أصبح ذاتا”. وهكذا يُمكن للنص أن يُؤكد أن “موت الوسيط ليس مجرد موت جانبه الطبيعي أو وجوده الخاص لذاته”؛ ولكنه في الوقت نفسه، موت “تجريد الجوهر الإلهي”، الذي توقف عن أن يكون جوهرا مفكرا فيه بشكل خالص، وبصفته تلك مُعارضا للواقع الفعلي، بل أصبح ذاتا روحية أو ذاتا في حياة الجماعة ومن خلالها. من هذا المنظور، يكتسب “الشعور المؤلم بالوعي الشقي، بأن الله نفسه قد مات ” معنى جديدا: فهو لا يُعبّر عن حنين إلى عالم اندثر إلى الأبد، بل يُترجم، على العكس، إلى إدراك فقدان أي تمثيل جوهري للإلهي، والوصول إلى الذاتية الخالصة، أو إلى اليقين الخالص بالنفس الذي لا تزال الروح تفتقر إليه لتكون روحا حقيقية. هذا الشعور هو “التعبير عن المعرفة الأكثر حميمية التي تعرف نفسها في بساطتها، عودة الوعي إلى أعماق ليل أنا = أنا، الذي لا يعرف شيء خارج ذاته. [هو] بالفعل فقدان الجوهر ودخوله إلى المشهد في مواجهة الوعي، ولكنه في الوقت نفسه الذاتية الخالصة للجوهر أو اليقين الخالص بذاته، الذي ينقصه بقدر ما كان هو نفسه الموضوع، أو المباشر، أو الجوهر الخالص؛ هذه المعرفة هي إذن الروحنة التي تجعل الجوهر ذاتا، تجريدها وغياب الحياة ميتين، [و] يصير بالتالي فعلا ووعيا ذاتيا بسيطا وكونيا.
وهكذا، تُوصف حياة الجماعة الروحية بأنها المكان الذي تبلغ فيه الروح معرفة ذاتها كروح مطلقة. فهي، بقدر ما تجتاز عناصر طبيعتها الثلاثة، هي في كل مكان فعل إدراك الذات في لانهائيتها: “ما يتحرك هو نفسه، هو ذات الحركة، وهو أيضا الحركة نفسها، أو الجوهر الذي تمر عبره الذات”. أو مرة أخرى، في هذه الحركة، ما يدركه الوعي هو لانهائية العملية التي مثلت بالنسبة إلينا سابقا التوفيق بين الوعي الحاكم والوعي الفاعل الذي تجسد في “نعم” التي أكدت هوية الحدين المتعارضين:
“هذا هو المفهوم الذي يحدس الوعي الديني الذي يتجلى له الجوهر المطلق، وهو يلغي تميز ذاته عما حدسته، ومثل ما هو الذات، هو كذلك الجوهر، وهو إذن الروح ذاته،تحديدا لأنه وبقدر ما هو هذه الحركة”.
(يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى