عزيز الحنبلي
تُعدّ ابتسام (بيتي) لشكر واحدة من أبرز الوجوه النسائية في المغرب المدافعة عن الحريات الفردية وحقوق النساء ومجتمع الميم-عين. عادت إلى واجهة النقاش بقوة في غشت 2025 بعد توقيفها على خلفية صورة بتي-شيرت اعتُبرت «مسيئة للدين»، لتقرر النيابة العامة متابعتها في حالة اعتقال، وسط جدل حقوقي وقانوني واسع حول حدود حرية التعبير وتجريم ازدراء الدين في القانون الجنائي المغربي. وتشير تغطيات صحفية دولية ومحلية إلى أن المتابعة قد تصل عقوبتها إلى خمس سنوات حبساً طبقاً للمقتضيات المعمول بها، فيما طُرحت قضيتها للنقاش العمومي بقوة.
وُلدت لشكر في الرباط في أغسطس 1975، وتابعت دراستها في علم النفس قبل أن تتجه إلى العمل الحقوقي الميداني. وهي معروفة بإعلان إلحادها ومواقفها الصريحة بشأن قضايا الجسد والضمير وحرية المعتقد، ما جعلها صوتاً مثيراً للجدل ومحل متابعة إعلامية داخل المغرب وخارجه. وقد شاركت سنة 2009 في تأسيس «الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية» (مالي) التي رفعت مطالب إلغاء تجريم العلاقات الرضائية والإفطار العلني والإجهاض الإرادي وغيرها من القضايا المرتبطة بالحياة الخاصة.
برز اسم لشكر لأول مرة لدى عموم الرأي العام مع «بيكنيك رمضان» سنة 2009، وهو فعل رمزي للاحتجاج على تجريم الإفطار العلني خلال النهار في الشهر الفضيل. وتلا ذلك محطات صاخبة أخرى؛ من أبرزها دعوتها سنة 2012 لقارب منظمة «وومن أون ويفز» الداعمة لحق الإجهاض إلى السواحل المغربية، وهو ما قابلته السلطات بالمنع، ثم «كيس-إن» تضامني سنة 2013 بالرباط احتجاجاً على اعتقال مراهقين قبّلا بعضهما. هذه المبادرات، وإن قوبلت بالرفض من فئات واسعة، فقد أعادت وضع قضايا الحريات الفردية في صلب النقاش العام.
على مستوى المرجعيات الفكرية، لطالما قدّمت لشكر دفاعها عن الحريات باعتبارها امتداداً لحقوق الإنسان الكونية، مع تركيز خاص على استقلالية الجسد والاختيار الديني واللا-ديني، ورفض التمييز على أساس الميول والهويات الجندرية. وقد صرّحت في مناسبات إعلامية بمواقف صريحة حول اللادينية، ما زاد من حدّة الاستقطاب حول شخصها وحركتها.
أما في تطورات قضية 2025، فقد أفادت مصادر إعلامية أن الشرطة القضائية قدّمت لشكر أمام وكيل الملك بمحكمة الرباط عقب توقيفها يوم 10 أغسطس، بسبب صورة على شبكات التواصل اعتُبرت «مسيئة» مصحوبة بتدوين انتقدت فيه الإسلام بعبارات حادّة. وذكرت تغطيات صحفية أن النيابة العامة قررت متابعتها في حالة اعتقال، وسط ردود فعل غاضبة وأخرى متضامنة، بينما تحدّثت تقارير عن إمكانية تطبيق مقتضيات «إهانة الدين» المنصوص عليها في القانون الجنائي.
ولم تتوقف التداعيات عند الحدود الوطنية؛ فقد تناولت صحف دولية كبرى الملف وربطته بمعضلة التوازن بين حماية المقدّسات وحرية التعبير، في بلد لا تزال فيه العلاقات المثلية والعلاقات خارج الزواج مجرّمة قانوناً رغم مؤشرات انفتاح اجتماعي نسبي في بعض المدن. كما طالبت منظمات علمانية وحقوقية بإطلاق سراحها ووقف الملاحقات على خلفية الآراء، معتبرة أن السجال يجب أن يُدار في فضاء عمومي حرّ لا في قاعات المحاكم.
في المحصلة، يتجاوز حضور ابتسام لشكر صورتها كناشطة مثيرة للجدل إلى كونها «بارومتر» يقيس تحوّلات النقاش حول الحريات الفردية في المغرب: بين تيارات محافظة ترى في أفعالها استفزازاً صريحاً ومساساً بالثوابت، وأصوات حقوقية تعتبر أن الدولة الدستورية الحديثة لا تقوم إلا بترسيخ حرية الضمير والتعبير والحياة الخاصة. وبين هذا وذاك، يظلّ مسارها الشخصي محكوماً بامتحان دائم: إلى أي حدّ يمكن أن تتقدم أجندة الحريات الفردية في سياق قانوني واجتماعي معقّد؟ أحداث صيف 2025 أعادت طرح السؤال بإلحاح، وربما لوقت طويل قادم.