مجتمع

الدين كامل مكتمل… فلماذا نضيف عليه طقوساً دخيلة؟

بقلم:حميد قاسمي
ففي زمن يختلط فيه الدين الحق بالتدين الدخيل، يبرز المشهد الصوفي داخل كثير من الزوايا كصورة مثيرة للجدل، حيث تتحول حلقات الحضرة الجماعية والجذبة والأوراد المستحدثة إلى طقوس مركزية، في حين تُهمَّش وظيفة الذكر والتربية الروحية. وهكذا تصبح الزوايا أقرب إلى فضاءات فولكلورية موروثة منها إلى مجالس علم وتهذيب.
لقد رسم الرسول صلى الله عليه وسلم معالم الدين بوضوح، وحسم أمر الابتداع حين قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، مؤكدا أن الهدي الحق في التمسك بالقرآن والسنة، لا في طقوس غريبة ولا في تقديس القبور أو رفع المشايخ إلى مراتب العصمة. والقرآن ذاته حسم المسألة بقوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾، فالدين كامل مكتمل، وأي إضافة أو بدعة فيه ليست سوى طعن في تمام الرسالة وخطر على صفاء العقيدة.
غير أن الزوايا لم تقف عند حدود الممارسات الروحية فحسب، بل تحولت إلى مؤسسات ذات نفوذ اجتماعي واقتصادي، تستقطب المريدين عبر خطاب الكرامات والبركات، بينما الواقع يكشف عن غياب أي دور فعلي في محاربة الفقر أو تعزيز التربية الدينية الصحيحة. فالمشهد يشي بتكريس التبعية والخرافة أكثر مما يسهم في بناء وعي ديني سليم.
تطرح هذه الوقائع أسئلة جوهرية: ما الوظيفة الحقيقية لهذه الزوايا؟ هل هي مدارس للتزكية والتهذيب، أم مجرد طقوس فولكلورية مغلفة بالقداسة؟ وهل يمكن أن تكون موازية للمساجد التي أقيمت لتكون بيوتا للذكر وتعليم الناس كتاب الله؟ وما أثر تنشئة أجيال على ثقافة الرقص والجذبة بدل الفقه والتعلم وحفظ القرآن؟
أما على المستوى السياسي والاجتماعي، فلا يمكن فصل ظاهرة الزوايا عن سياقها التاريخي؛ فقد لعبت أدوارا مزدوجة بين دعم السلطة السياسية أحيانا وتوفير ملاذ للمعارضين أحيانا أخرى. وفي الوقت الراهن، صارت كثير من الزوايا تشتغل بعقلية المؤسسات الاقتصادية، تستثمر في العقارات والأراضي وتبني شبكات واسعة من الأتباع، لتصبح قوة مالية مؤثرة. ومع ذلك لم ينعكس هذا النفوذ على التنمية أو الحد من الفقر، بل بقي التفاوت صارخا، بينما يُستثمر خطاب البركة والكرامة لضمان الولاء واستدامة النفوذ.
سياسيا، تُستعمل بعض الزوايا كأدوات للتعبئة في بعض المناسبات الوطنية والأزمات، ما يثير أسئلة حول استقلاليتها وحقيقة مشروعها الديني: هل الهدف تربية الأمة على العقيدة الصحيحة أم مجرد أداء رمزي يخدم التوازنات السلطوية؟ اجتماعيا، يؤدي هذا المسار إلى إعادة إنتاج ثقافة الخضوع والاتكالية، حيث ينشأ جيل مشدود إلى الخرافة بدل النقد والإبداع، فتُعطَّل الطاقات التي كان يمكن أن تُسهم في التعليم والإنتاج والإصلاح….
نحن إذن أمام مشهد مزدوج: من جهة، دعوة أصيلة للعودة إلى الكتاب والسنة وتنقية الدين من البدع، ومن جهة أخرى نفوذ متعاظم للزوايا يكرّس الطقوس المحدثة تحت غطاء الروحانية. والنتيجة هي إضعاف البنية القيمية للمجتمع وإرباك مسار الإصلاح الديني والفكري والاقتصادي، لأن الأمة التي تستبدل الذكر الحق بالرقص الجماعي، وتلاوة القرآن بالأوراد المبتدعة، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ببيعة المشايخ، أمة تبتعد عن مصدر قوتها وعزتها. ولا سبيل لاستعادة التوازن إلا بالعودة الصادقة إلى مرجعية الوحي، بعيدا عن الخرافة والطقوس الدخيلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى