عزيز الحنبلي -متابعة
انعقدت قمة أمريكية–روسية نادرة في قاعدة «جوينت بايس إلمندورف–ريتشاردسون» بمدينة أنكوراج بولاية ألاسكا يومي 15 و16 غشت 2025، جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بهدف استكشاف سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا. ورغم الزخم السياسي والإعلامي الذي سبق اللقاء، انتهت المحادثات من دون اتفاق على وقف إطلاق النار أو إطار تسوية، فيما اكتفى الطرفان بحديث عام عن «تقدم» بلا تفاصيل.
خلال المؤتمر الصحفي، أعلن ترامب أنّ «لا اتفاق حتى يكون هناك اتفاق»، في صيغة تعكس فجوة باقية بين المواقف وتُحافظ على الباب مفتوحاً لجولة تالية، من غير التزام زمني أو مضمون محدد. أما بوتين فحرص على وصف المناقشات بـ«الإيجابية»، لكن من دون الإعلان عن اختراق ملموس أو تفاهمات مُعلنة. وبذلك، بدت النتيجة «لا صفقة الآن»، مع اعتراف أمريكي بوجود «بعض التقدم» غير المُفصّل.
ردود الفعل الأوروبية جاءت سريعة وحازمة: قادة الاتحاد أكدوا دعم سيادة أوكرانيا، ورفضوا أي «فيتو» روسي على مسار انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو، محذرين من مقاربة تُقرّ بتغييرات حدودية بالقوة. هذه الرسالة هدفت إلى تطمين كييف ومنع أي قراءة تفيد بأن الحوار الثنائي الأمريكي–الروسي يمكن أن يُملي على الأوكرانيين مآلات الحرب من خارجهم.
على مستوى «الخطوات التالية»، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيلتقي ترامب في واشنطن لعرض موقف كييف مباشرةً، مع بحث احتمال عقد اجتماع ثلاثي لاحق يضم أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة إذا نضجت الشروط. غير أن استمرار العمليات القتالية على الأرض أثناء القمة وبعدها عزّز الانطباع بأن المحادثات لم تُنتج وقفاً للأعمال العدائية ولا حتى هدنة مؤقتة.
تحليل الحصيلة السياسية يُظهر مفارقة لافتة: فبينما خرج ترامب ليُقيّم اليوم بأنه «مُنتِج» بلا نتائج مُعلنة، يرى عدد من المراقبين أن بوتين كسب مكسباً رمزياً مهماً بمجرد الجلوس على الطاولة بندّية مع رئيس الولايات المتحدة، وما رافق ذلك من مراسم وصدى إعلامي، من دون أن يقدّم تنازلات في الملفات الجوهرية. وفي المقابل، لم يُسجّل ترامب إنجازاً تفاوضياً يُسوّقه داخلياً أو لدى الحلفاء. خلاصة هذه القراءة: «لا اتفاق، لكن مكاسب رمزية لروسيا، ومزيد من الضغط السياسي على واشنطن وحلفائها لمواصلة البحث عن طريق واقعي إلى وقف الحرب».
خلاصة المشهد: أعادت قمة ألاسكا تشغيل قنوات التواصل المباشر بين واشنطن وموسكو بعد سنوات من القطيعة والتصعيد، لكنها لم تغيّر في ميزان الوقائع: لا وقفاً للنار، ولا إطاراً تفاوضياً مُلزِماً، مع تمسّك أوروبي بدعم أوكرانيا ورفض أي تسوية تنتقص من سيادتها. على هذا الأساس، يمكن النظر إلى القمة كبداية مسار طويل أكثر منها محطة حاسمة؛ مسار ستُحدّد مآلاته القدرة على مزج الضغط العسكري والاقتصادي والدبلوماسي مع إشراك كييف بصورة كاملة في أي ترتيبات مقبلة. وفي انتظار ذلك، تبقى «نتائج القمة» أقرب إلى تثبيت خطوط التماس سياسياً وإعلامياً، لا إلى إعادة رسمها ميدانياً.